
المايسترو العراقي محمد أمين عزت
حاورته: راضية صحراوي بغداد – العراق
يعتبر محمد أمين عزت من الموسيقيين المبدعين والبارزين في العالم العربي، فمن خلال قيادته للعديد من الفرق الموسيقية في العالم العربي استطاع محمد أمين عزت أن ينجز أعمالاً موسيقية ذات صيت عالمي. يقود محمد أمين عزت الفرقة السيمفونية الوطنية العراقية منذ عام 1989. ورغم الظروف الصعبة التي عاشتها الفرقة إبان الحروب المتتالية من الفرقة والتهميش وضعف الموارد، استطاع المايسترو بعزيمته القوية وحبه الشغف للموسيقى أن يحافظ على استمراريتها. محمد أمين عزت يعتبر الموسيقى جزءا من الحضارة والثقافة العراقيتين، وهذا ما نجح في إبرازه من خلال القطعة الموسيقية التي حملت عنوان “جمل الصحراء” .
راضية صحراوي حاورت المايسترو والموسيقار محمد أمين عزت حول أعماله الإبداعية وحول الظروف الصعبة التي عاشها ومازال يعيشها الموسيقيون في العراق. في حضرة السكون وأذان تشكو ضوضاء الحروب وصور النازحين الهاربين من القصف و الدمار غازل التراث الحضاري قصص الحرب وراقصت أنامل العازف العراقي العالمي محمد امين عزت أوتار العود ونغمات كمنجا وعنفوان الناي. بين ثنايا مسرح المنصورة بالمنطقة الخضراء ببغداد بالعراق و على هامش انعقاد الجمعية العامة للمنظمة العربية للصليب الأحمر و الهلال الأحمر ” اركو” في دورتها الـ 43 في أمسية إنسانية جمعت كل الفاعلين في الحركة الدولية من منظمات اغاثية و جمعيات وطنية للهلال و الصليب الأحمر . كان لنا موعد مع المايسترو محمد أمين عزت والعازف نصير شما الذي كرم بوسام سفير النوايا الحسنة للحركة الدولية، صاحب رائعة إشراق، العامرية وغيرها من السمفونيات التي أخجلت العنف و الخراب ليتواريا ويرسما باقة من الإحساس الراقي وبلسم يشفي جروح عميقة اندملت من خلال نغمات موسيقية.
وفي مزيج بين فسيفساء موسيقية ومعاناة شعب يأمل بالأمن و الاستقرار كان لنا الحوار مع العازف محمد أمين عزت، الذي تحدث عن العراق عن شعبها الذي عاش فترة عصيبة جدا أغلقت فيها العديد من المؤسسات الحكومية و توقفت فيها كل مناحي الحياة.
لم يوقفنا ضجيج الحرب
كفرقة موسيقية يقول المايسترو محمد أمين عزت لم نتوقف بقينا نعمل الى حد الساعة إلا أن المشكلة التي كانت قائمة في الفترة التي مر بها العراق هو غلق جميع المسارح و المرافق الترفيهية، وكان هناك ركود ثقافي رهيب. ومع ما مرت به العراق من ماسي قامت السلطات العراقية بافتتاح متحف المنصورة بالمنطقة الخضراء في شهر مارس 2018م ، وهو مبنى عريق أنشئ عام 1870 كأحد الملحقات الخاصة بالاستراحة الخديوية، ثم أنشئ فيه مسرح عام 1889 هو مسرح المنصورة القومي حاليا. لقد أقامت الاوركسترا الوطنية بفرقة السمفونية رفقة الأستاذ نصير شما الذي توج بلقب سفير النوايا الحسنة للحركة الدولية. حفلا رائعا، كان الجمهور من نوع أخر سفراء دول، وزراء، شخصيات من الحركة الدولية المهتمة بالعمل الإغاثي والإنساني. لم استطع ، كما يقول المايسترو كبح جماح الموسيقى ولا الجمهور الذي صفق كثيرا لروائع الموسيقار نصير شما. اشراق، العامرية و اللتان عزفتا لأول مرة بالعراق.
عادت الفرقة السيمفونية رغم ألم و وجع الحرب
كشف المايسترو محمد امين عزت المعاناة التي مرت بها الاوركسترا العراقية و المعروف عنها قدمها فهي الأقدم في الشرق الأوسط تعرضت الأوركسترا الى دمار كبير بعد الحرب، حيث دمر ارشيفها الموسيقي ونهبت من مخازنها الآلات الموسيقية التابعة لها عقب سقوط بغداد في عام 2003. كما تعرض عدد من أفرادها إلى عمليات خطف والقتل نتيجة أعمال العنف، فر 29 من أعضاء الفرقة إلى خارج البلد.
عادت الفرقة السيمفونية الوطنية العراقية من جديد لتضفي على المشهد العراقي لمسة راقية من الفن الكلاسيكي، بالرغم من الظروف التي مرت بها البلاد خلال عقود متتالية . يقول عزت : أنا حريص على تقديم كل ما يليق بالفرقة السيمفونية الوطنية العراقية التي تعد من أقدم الفرق الكلاسيكية في المنطقة إذ تمتد بداياتها الى أربعينات القرن الماضي.
احتكار العازف الأجنبي خلق ركودا للتراث العراقي
الحرب في العراق غيرت الموازين فقد كانت الاوركسترا في السابق منحصرة على العازف الأجنبي الذي لم يفسح المجال أمام العازف العراقي خصوصا على الآلات الهوائية. ومع احتدام المعارك و العمليات العسكرية بعدد من المدن و حالة عدم الإستقرارالتي سادت البلاد هاجر قرابة 40 عازفا أجنبيا، واحتكار دام 30 سنة.
وهنا بدأت حالة من الانفراج و تسلمت الفرقة نهاية الثمانيات قدمنا عدة حفلات أحدها كان بقصر المؤتمرات وقد أثرت الحرب في تلك الفترة على كل مناحي الحياة فتوقفت كل المؤسسات المدنية و العسكرية عن العمل إلا الفرقة السيمفونية لم تتوقف. وبكى كل الجمهور العراقي .
الحفل بقصر المؤتمرات جمع بين كل الأطراف المتناحرة وحضرته كل شرائح المجتمع باختلاف مشاربهم وكان للفرقة العراقية الفضل في اختيار نشيد موطني وهو نشيد سوري حتى لا يقال أننا ننتمى الى جهة معينة واعتمد ما قدمناه كنشيد وطني للعراقيين.
السيمفونية خلقت الألفة بين العراقيين
المواطن العراقي خرج من حالة الخوف و عدم الأمن وما لفظه من صدمات نفسية ، كيف استطاعت السيمفونية تبديد مخاوف العراقيين. فالفن هو عملية إبداعية نبتعد فيها عن ضوضاء النزاعات المسلحة و صوت القذائف و دوي المدافع.
السمفونية العراقية رسالة إنسانية خففت من الصدمات النفسية
قال المايسترو محمد أمين عزت : إن الفرقة السيمفونية لم تعرض فقط مقاطع موسيقية بل قدمت رسالة إنسانية ووحدت بين العراقيين من خلال اللحن و الموسيقى. أججت مشاعر و أحاسيس العراقيين المكبوتة والتي أتعبتها قصص الحرب، العنصرية والتطرف والتناقضات فولدت مجتمع مصدوم نفسيا.
لذلك لم ارغب إسماع جمهوري موسيقى كلاسيكية بل أردت إضفاء نوع من الألفة بيني وبين الجمهور من خلال رؤية إخراجية تمزج بين إحساس العازف والمقطوعة الموسيقية الأكثر سماعا.
الإنسان العراقي كريم بطبعه، محب للجلسات الجماعية والعائلية
يعتبر المايسترو أن الإنسان رقم واحد في معادلة الموسيقى العراقية فأراد إبعاد الجمهور عن أي صراع فدورنا يقول، كيفية كسب اكبر فئة من الناس و الارتقاء بالفن و الإبداع في بيئية أمنة و مستقرة لخدمة الإنسان.
يقول : لم أرد أن أكون كلاسيكياً بل أردت استعمال أعمال أكثر سماعا كموسيقى الأفلام تاتنيك ، سوبرمان، وهي أعمال سيمفونية، وصعب تجلب أعمال مثل هذه مجانا فقد دفعت فيها أموال وحصلت النوتات الأصلية من مكتبات عالمية وأعطيتها صبغتها وقدمتها في مسرح الوطني بمدينة الكرادة سعته (1000) مقعد في حين حضر 1500 شخص جلسوا على الأرض.ومن بين المقاطع الموسيقية التي لقت رواجا ملحمة ” جمل الصحراء” التي جمعت بين الأكراد والعرب والسنة والشيعة والمسيحيين وهذا ما ترسخه قواعد القانون الدولي الإنساني وهو عدم التمييز و الفرقة.
الأمن أمنية كل عراقي
السيمفونية هي رسالة موسيقية ثقافية تربوية منذ نشأتها والى حد الان فقد حققت ما عجزت عنه السياسة .
يقول محمد أمين عزت : أريد أن ينعم العراق بالاستقرار التام و أن يتمتع الفنان بحقوقه.أريد إعادة هيبة السيمفونية وأحارب من أجل الموسيقى التراثية فهي جزء من إنسانيتنا فهي تاريخنا.
المصدر: معكم