
تونس – حنان جابلي – الخليج أونلاين
“إكرام الميت دفنه”، هكذا كان يردد الناشط المدني شمس الدين مرزوق، وهو منهمك في دفن جثة نيجيري لفظه البحر على سواحل مدينة جرجيس جنوب شرقي تونس، بعد أن استوفى كل الإجراءات الضرورية من أجل دفنه.
وقال “مرزوق” لـ”الخليج أونلاين”، إنه حسب ما استقاه من معلوماتٍ، فإن المتوفى كان ينوي الهجرة إلى أوروبا من خلال تونس، لو لم ينكسر القارب الذي يحمله في عرض البحر.

“مرزوق” الذي اختار من تلقاء نفسه إكرام جثث الموتى التي لا يعرف أهلها عنها شيئاً، وحمل على عاتقه مسؤولية دفنهم منذ نحو اثنتي عشرة سنة، لم تُثنه أشعة الشمس الحارقة ولا برد الشتاء القارس عن مواصلة رحلته اليومية في البحث عن جثث الشباب الذين فروا من جحيم أوطانهم؛ بحثاً عن الفردوس الأوروبي، لكن انقطعت بهم السبل قبالة تونس.
إكرام الغرقى
ونذر “مرزوق” حياته لدفن جثامين أولئك الذين لم ينجحوا في الهجرة، والتي يلقيها البحر، في مقبرته الصغيرة التي أطلق عليها تسمية “مقبرة الغرباء”، بعد أن هاجر ولداه، ودأب على الخروج فجر كل يوم جديد، للبحث عن جثامين هؤلاء الغرقى القادمين من بقية الدول الأفريقية.

بدايةً يضع “مرزوق” الجثث التي يعثر عليها، في كيس ويسلّمها إلى المستشفى، للحصول على تقرير طبي، ثم يعود ليدفنها، دون تمييز لجنسية أصحابها أو لونهم أو دينهم، داخل قبر حفره مسبقاً على المقاس، بعد إخراجها من الرفات بمساعدة زملائه المتطوّعين بالهلال الأحمر التونسي، الذين يساعدونه كثيراً في تنفيذ مهمته.
ولا يكتفي بذلك، بل يختتم عمله بوضع ورودٍ على تلك القبور، ويتولى أيضاً تأبين بعض رفات الجثث التي غاب ذووها بعدما استحال التعرف على هويتهم، برفقة بعض الأطفال.
وشيئاً فشيئاً باتت مقبرة “مرزوق” تضم أكثر من 400 قبر، مؤكداً لـ”الخليج أونلاين”، أن قصته مع جثث المهاجرين بدأت عندما صادف ذات مرة وهو يصطاد في عرض البحر، جثثاً تطفو على سطح الماء، حينما دفعه الوازع الإنساني إلى إكرام هؤلاء الأموات الذين لا يعرف عنهم أهلهم شيئاً، وقرر أن يشرع في دفن جثثهم تماماً كما يفعل الأهل مع أبنائهم.
وأضاف أنه لا يأبه كثيراً بصحته والأمراض التي يمكن أن يتعرض لها من جثث المهاجرين، وأنه فقط يفكر في قيمة عمله الإنساني، وأن يلقّنه للأطفال الذين يزرعون ورود المحبة، في مغامرته التي اختارها طوعاً، ثم قرر على أثرها الانضمام إلى الهلال الأحمر التونسي، ليواصل مهمته النبيلة، حسب قوله.