



على شاطئ البحر كنت جالسة ، مغمضة عيني و فكري يسرح في صوت الموج وهو يرتطم في قدمي القريبة منها ، تذكرت ساعات الصفاء الذهني و السلام الداخلي التي يستطيع هذا المكان أن يعطيها للإنسان ، سكينة عميقة .
عصف في عقلي الماضي ، ذكريات الزمن الجميل ، عندما كنا صغاراً، كان والدي يأخدنا في رحلة إلى البحر، كانت من أكبر المتع وفي قمة سعادتنا نكون ،هناك أنا و إخوتي نركب سوياً في السيارة، من عددنا الكبير كانت لا تتسع لنا فكان يجبر أصغرنا بأن يجلس بجانب أمي ، رحلة تمتد لخمس ساعات متواصلة ، فيها كمية من الضحك هستيرية هذا ينكز ذاك و هذه تريد أن تأكل و الأخر يشعر بالنعاس ، لمعت الأحداث في رأسي من جديد فأخذت أبتسم لا إرادياً .
حين نصل إلى الشاطئ كل منا تلمع عيونه و نركض في إتجاه البحر بلا تفكير ، أرى أخي الصغير ينادي أمي بحماس ( أُريد أن أغير ملابسي و أرتدي ملابس السباحة ) و نبدأ في التخطيط لما سوف نفعل في يومنا حتى لا يضيع علينا أي شيء ، إخوتي هم سندي و حافظة ذكرياتي معهم فقط أتمنى أن لا ينتهي الوقت، أما عن أمي و أبي فهم أماني و مأمني ، أكتب و أكتب ولن أنتهي حمداً لله على نعمة الأهل ، وكم ينفطر قلبي على أشخاص لم يتسنى لهم رؤية والديهم ، اللهم إرحم الأموات و احفظ الآباء .
جميل أن تتذكر لحظات السعادة، فقط السعادة. طاقة داخلية كالقنبلة تتفجر في لحظتها صراخ ركض و لربما بكاء، ولكن مهما وصلت لحظات السعادة لن تكون كالسعادة المنتظرة هناك في الجنة حيث النعيم و الدفئ يملئ المكان .
فجأة سمعت صوت رجل ينادي على طفلته بجانب البحر لكي تأتي مسرعة و معهم انقطع حبل الذكريات
فتحت عيوني فرأيت انني ما زلت وحيدة لا يوجد بجانبي أحد لا شخص ينادي ولا كرة تنتظر أن نركلها ولا صوت أمي يقول حان وقت الطعام هيا يا أطفال .
لو أننا نستطيع أن نتوقف عند عمر محدد ، معه لا نحرك الأحداث للأمام فقط للخلف ، كآله تتحكم في الزمن نبقى صغاراً و يبقى أحبائنا حولنا بلا فراق ولا بعد في المسافات متلاصقون كالصدف على شاطئ هذا البحر ، أو أسماك تمشي في مجموعات ولا تتفرق .
الأماكن تحمل الكثير من الذكريات تختفي هي و تبقى عالقة في الأذهان ، يمر شريط ذكرياتك بمجرد مرورك بالمكان ، أنا أؤمن بأن أي مكان له ذكرى سيئة في عقلك إجعل مكانها ذكرى أجمل حتى تذهب السيئة و تبقى في عقلك الجميلة ، و بالنهاية سوف نجتمع سوياً في السماء لا مشكلة في التوقيت ، لأنه غيبي الأهم من ذلك أننا سوف نكون معاً في سعادة و سلام بحب يملئ الأكوان .
نفضت الرمال عن قدمي و عدت أدراجي بكثير من الأمل و الرضا .
