


الجزء الأول

من غرفتي في المبنى الكبير انتظر دخول مريضتي التالية، قالوا لي إن الأمر مهم و يجب علي أن أراها في أقرب وقت ، قصتها معقدة، بعثت التنمية الإجتماعية قبل قدوم سعاد وقالت بأنها حالة مستعجلة .
دخلت الفتاة كانت في عمر العشرين ترتدي معطف ذو لون أخضر و حجاب يغطي رأسها ، مرحباً بك يا سعاد تفضلي بالجلوس.
جلست سعاد وكانت شاردة الذهن كأنها في عالم آخر ، قلت لها: ما رأيك أن نشرب القهوة معاً لم تتفوه في كلمة فقط هزت رأسها ، عند قدوم القهوة كانت ما زالت بلا حراك ، فقلت : أنا أحب رائحة القهوة أشتمها قبل أن آخذ الرشفة الأولى ، فنظرت إلي في عيون يأسه ، أخبريني يا سعاد كيف حالك ؟ و ما حل بك فنحن هنا في مكان آمن ولن يعلم في حديثنا أحد فقط أنا و أنتِ هنا تستطيعين أن تقولي أي شيء لن أحكم عليكِ و لن أقيّمكِ ، تفضلي.
قالت سعاد : ليس لدي حيلة ، تعبت من حياتي و من صمتي فقررت أن أحدث فرق لعل و عسى تتحسن أحوالي ، يا دكتورة أنا متزوجة من عمر الستة عشر ، وضع عائلتي المادي لم يسمح لنا بأن نذهب للمدرسة أو أن نتعلم مهنة أُخرى ، فقد كنا عشر فتيتات لا يستطيع أبي أن يصرف علينا جميعاً ، فكان الحل الأمثل له بأن يبيعنا ( يزوجنا ) و من يدفع أكثر يعطيه بغض النظر عن حاله أو أحواله أكان متزوج أو ذو عمر كبير لا يصلح إلا للقبر ، كل ذلك لا يهم المهم أنه يدفع أكثر ، كنت طفلة تزوجت وأنا لا أعلم ما هو الزواج ، جاءت أمي وألبستني ثوب أبيض كانت تبكي كثيراً ، فقلت لها: أين سوف أذهب ؟
قالت : هؤلاء الناس سوف يأخذوكِ لمكان أفضل ، وأنا سوف آتي لزيارتك إن شاء الله لا تخافي، على الأقل لن تنامي و أنت جائعة ، رحت أتوسل إليها و أقول أرجوكِ لا أريد الذهاب أرجوكِ ، فجاء أبي و شدني من يدي وقال : دلع بنات هيا هيا …
خرجت من المنزل و لم يكن لدي فرصة حتى لتوديع إخوتي ، كنت الأكبر و الرجل الذي زوجوني منه كان يكبرني بعشرين عاماً ، كنت الزوجة الثانية ، و بسبب عدم إنجابه قرر أن يشتري زوجة جديدة و أراد أن تكون صغيرة حتى يربيها على يديه، لا أستطيع أن أقول لكِ ما حدث معي في الليلة الأولى فقد كانت الأسوء و الأكثر ألماً ، ذهبت في منتصف الليل إلى المستشفى بسبب النزيف الذي حدث معي ، عندما علم الطبيب في حالتي قال : إنها طفلة و أراد أن يخبر الشرطة ، فزوجي تصرف بالحال و أعطاه المال ،وقال : إن لم تصمت فلن يظهر عليك الصباح .
عدت للمنزل الطفلة العروس و بدأ كابوسي الحقيقي ، ااه كم تألمت و كم بكيت و صرخت و فكرت كثيراً بأن أهرب من المنزل أو أن أقتل نفسي لكن لا فائدة ، أصبحت إمرأة في سن لم أعرف فيه الطفولة ، و اتضح أن لزوجي لسان سليط مثل السكين ، يسبني مرة و يضربني مرة و إما أن يركلني بقدمه أو يجلدني بالحزام و اذا حالفني الحظ يسبني بكل الكلمات القذرة ، فأصبحت أنام على ألم و أستيقظ على ألم ، حياتي كانت بلون أسود لم أرى غيره .
قلت لها : و لم يأتي أحد من عائلتك ليراكِ ؟
قالت : لم أسمع عنهم شيئاً بعد زواجي حرمني منهم زوجي ، قلت لك أبي باعني و قبض النقود ، و أنا هنا بلا ذنب ولا شفقة ولا رحمة .
أجهضت ثلاثة مرات قبل أن أحمل في طفلي الأول ، كنت طفلة تحمل طفل ، كبرنا معاً ولم أكن أعرف أي شيء عن العناية و الرعاية و الحقوق للزوجة ، فقط كانت تأتي والدته و تعطيني دروس في الرعاية و الإهتمام بزوجي ، و أنا لم يكن لدي حيلة صمٌ بكمٌ عميٌ ، كالآلة أفعل ما يقال حتى أتجنب الضرب و الإهانة .
ولكنني إنسان هل يعقل أن الحياة هكذا ، صحيح أن أبي كان سيء الطبع ، ولكن أمي كانت تحن علينا ، أين أنت يا أمي ؟ أريد أمي يا ليتني لم أكبر تمنيت نعم وقلت في نفسي أعيدوني طفلة أرجوكم و أخذت تبكي بحرارة .
مددت لها كأساً من الماء وقلت لها يكفي اليوم الأسبوع القادم نكمل ، لا تضغطي على نفسك ، الحمد لله أنك تحررتي من صمتك ولو بعد حين وأنا هنا بجانبك ولن اترككِ بعون الله إلا بعد أن تذهبي لبر الأمان ..
يتبع…..
