



إن المرأة العاملة في مختلف المجتمعات ودول العالم تقوم بعملِ رائع يومياً فيما يتعلّق بمجال موازنة المسؤوليات، على الرغم من أن البعض يبدي تخوّفًا بالغًا من قدرتها، على إحداث التوازن بين عملها، حياتها الأسرية، الزوجيّة وحتى الشخصيّة.
وهناك عدد لا بأس به من النساء العاملات اللواتي يعرّضن أنفسهنّ للضغوطات الكبيرة من أجل الوصول إلى المعادلة السليمة.
“فاتن صلاح العسعس” رئيس قسم تراخيص الإنتاج والتداول في هيئة الإعلام والبالغة من العمر 38 عاماً حاصلة على شهادة البكالوريس في اقتصاد الأعمال / كلية إدارة الأعمال /الجامعة الاردنية.
متزوجة وأم لثلاثة أطفال ذكور (طلال وهاشم وأحمد) التحقت بسوق العمل بعد تخرجها بسنة وتدرجت بكثير من الوظائف منها التسويق ثم ضابط مشتريات بأحد الشركات الخاصة وانتهى المطاف بتعينها موظفة بهيئة الإعلام منذ عام 2009.
ولأننا ندرك ونعرف مدى الضغوطات التي تتعرّضَ لها المرأة العاملة، والأم على وجه التحديد، قرّرنا أن نلتقي الأستاذة “العسعس” وأن نجري معها الحوار الآتي كأنموذج يُحتذى به للمرأة الأردنية الطموحة والفاعلة.

- المرأة هي الشريكة التي تسعى جاهدة لتلحق بحلم تحقيق التوازن بين العمل والمنزل، كيف تُعقبين على هذا الكلام؟
كلمة توازن تعني الكثير، بداية واجهت صعوبة كبيرة بين أن أوفق ما بين عملي من جهة وبيتي وواجباتي الاجتماعية من ناحية أخرى لكن عند ترتيب أولوياتك وتنظيم وقتك وبمساعدة من والدتي ووالدة زوجي بحكم خبرتهما في الحياة العملية بدأت بتثبيت قدمي في مساري الصحيح.
صحيح أن المرأة العاملة تصب كل جهدها حتى توازن كافة أمورها، لكن تأكدي أن نجاح هذا التوازن سيكون قائماً بالأساس على مبدأ التشاركية بين الزوج والزوجة في توزيع المهام والمسؤوليات، وتأكدي بأن المرأة العاملة والمتزوجة تحديداً ضحت بحقوق، بوقت، بمناسبة، كان من الممكن أن تحصل فيه على المتعة أو الراحة أو على الهدوء، ومن الممكن أن تكون علاقاتها الاجتماعية شبه معدومة وقد تقتصر على المقربين جداً لتحقيق شبه التوازن.
- العديد من الدراسات والبحوث تُشير إلى أن النساء العاملات هنّ الأكثر سعادة في حيّاتهنّ؟ ما رأيك بهذا؟
صدقاً العمل والخبرة العملية هما من يصنعان الذات، ويصقلان شخصيتك ويقويانها، عندما تجدين نفسك بعمل ما وقد أبدعتي فيه وأثبتي نفسك وجدارتك من خلاله، تعرفين أنك قادرة على حمل هذا الحمل واضعةً الهدف بين عينيك وتكرسين جهدك لتحقيقه، اعلمي هنا أنك في رحلة ليست كأي رحلة خاصة إن بدأت بذور هدفك بالإزهار في طريقك هنا حقاً ستكونين سعيدة فما بالك عندما تحققين هدفك، مؤكدٌ أنك ستشعرين بنشوة الانتصار والسعادة ، ولن تتخيلي كم هو شعور جميل ورائع أنك كافحتي لتصلي إلى مبتغاكِ وطموحك ،هنا تعرفين قدرك وأهميتك وأهمية وجودك بمركزك، فأنت فعلاً تستحقين.

- ما التحديات التي تواجهها المرأة العاملة في حياتها؟
الكثير من التحديات هي تلك التي تواجه المرأة العاملة ومن أهمها:
- جمود القوانين والأنظمة وعدم مرونتها على الرغم من أنه تم إجراء تعديلات على هذه الأنظمة والقوانين لإعطاء حرية أكثر، إلا أن الجمود في النقاط مازال موجوداً، وكلما ارتفعتِ في سلمك الوظيفي زاد جمود القوانين والنظام أمامك.
- عدم إلزام المؤسسات والوزارات بتوفير حضانات لأطفال النساء العاملات مما يضعف فكرة التحاق المرأة بسوق العمل.
- النظرة المجتمعية العامة بأن المرأة تقوم بمنافسة الرجل على الوظيفة مما أدى إلى ازدياد نسبة البطالة بين الذكور بنظرهم.
- انخفاض الأجور والذي يسهم بعدم تشجيع المرأة على التفكير بالالتحاق بهذا السوق.

- كيف تُفَعِل المرأة العاملة دورها في الصفوف القيادية لتحقيق التكامل في المنظومة المهنية؟
المعرفة والتطوير والتدريب شيء أساسي، واكتساب مهارات بشكل مستمر ومواكبة التطورات التكنولوجية وتطويرها لخدمة عملك مما يوفر الوقت والجهد.
وبالنسبة لي إضافة ً إلى ما ذكرته سابقاً أحاول دائماً الإلمام بجميع مهام الهيئة التي أعمل بها سواء كان على مستوى القسم الذي أشرف عليه أو من خلال معرفة ما تقوم به الأقسام الأخرى حتى أمتلك المعلومة في حال واجهت أي سؤال أو استفسار.
“تدوير الوظائف” من أجمل ما يمكن أن يحدث في مسيرتك المهنية، أن تتحركي وتتنقلي بأكثر من قسم هذا يُكسبك خبرة نظرية وعملية وتخرجين من نطاق الروتين ويعطيكِ حماساً وتشجيعاً ويزيد من عطائك، فأنت تأتين يومياً إلى عملك وتكتسبين أشياء وخبرات ومعلومات جديدة، وتكتسبين مهارات تواصل جديدة من خلال التعامل مع الجمهور، كل هذا ينمي روح ومفهوم القيادة عندكِ ويجعلكِ مؤهلةً للترشح لعدة مناصب قيادية شاغرة، وإلا فأنتِ لن تمتلكي سوى عدد مكرر من السنين فقط أي صفر خبرة.
- إن متطلبات العمل والوظيفة خارج المنزل كثيرة تماما كما مسؤوليات العناية بالأسرة التي لا تنتهي أيضًا، حدثينا عن هذه المتطلبات؟
متطلبات العمل على الرغم أنها كثيرة إلا أنها قد تهون عن متطلبات الأسرة وكونك الأم فأنت لبنة الأساس في العائلة، يعني ستكونين في البيت الأم والصديقة والزوجة والمعلمة والممرضة، وحقيقةً في الآونة الأخيرة أصبحت المرأة تقوم ببعض الأعمال التي قد تقع على عاتق الرجل في حال كان دوام الشريك الآخر طويلاً أو خارج منطقة حدود السكن وعدا عن ذلك فأنتِ ٢٤ ساعة وقتك مكرس لبيتك.
أما العمل فهو محدد بعدد من الساعات يعني بقدر ما عملتِ وتحت أي ضغط فمصير ساعات العمل أن تنتهي، لكن أهم شيء هو أن تحاول المرأة الفصل بين البيت والعمل بمعنى أن لا تحملي همومك ومشاكلك معك إلى مكان العمل فينعكس هذا على نتاجك في العمل وعلى مزاجك ومعاملتك لزملائك وزميلاتك، والعكس كذلك أن لا تحملي مشاكل العمل والعصبية إلى البيت وتفرغيها فيه فينعكس سلباً على أهل بيتك وأبنائك.
بصراحة إن استيعاب جميع الزملاء والزميلات يتطلب منك أن تفكري ملياً بالطريقة التي يفكرون فيها وذلك تجنباً لحدوث المشاكل ولكي تعملي على خلق جو وبيئة عمل ناجحة .

- نعرف مدى الضغوطات التي تتعرّضَ لها المرأةالعاملة والأم على وجه التحديد، ما الحلول والأفكار العملية التي تجعل حياتها أسهل وأكثر تنظيماً؟
الحل، محاولة تمييز المرأة في مؤسسات العمل، وقد أجبت على ذلك في نقطة سابقة، في حال تم تعديل الأنظمة لصالح المرأة فتأكدي أن المرأة العاملة ستكون نفسياً ومادياً أفضل، أعطيكِ مثالاً بسيطاً:
لو تم تخصيص العمل للسيدات لغاية الساعة 2 بعد الظهر بمعدل 7 ساعات يومياً بدلاً من 8 ساعات لن تتخيلي ما الذي من الممكن أن تفعله المرأة بهذه الساعة.
أولاً: ستصل إلى بيتها وأولادها بأقصر مدة زمنية متجاوزة بذلك وقوعها بأزمات السير الخانقة علماً أن هذه الفكرة ستعود بالنفع على جميع أفراد المجتمع.
ثانياً: سيمكنها من تجنب وضع أبناءها لساعات انتظار بعد الساعة 2 في المدارس والذي ينهك الطفل نفسياً وجسدياً وينهك الأم والأسرة مادياً وهذا من الممكن أن يوفر عليها أجرة تسجيل أبنائها في حافلة الركوب يعني هكذا أرحنا الأم العاملة مادياً أكثر وأكثر.
ثالثاً: ستجد وقتاً لأطفالها والجلوس معهم ومعرفة مشاكلهم وهمومهم.
هذا كله فقط في حال تخفيض الدوام ساعة واحدة، فما بالك بحلول أخرى؟
- كرئيس قسم تراخيص الإنتاج والتداول في هيئة الإعلام ما دوركم في الهيئة؟
كما تعلمين بأن دور الهيئة هو دور تنظيمي ورقابي
وقسم تراخيص الإنتاج والتداول أعتبره من الأقسام الحساسة والهامة في الهيئة وهو مربوط بأغلب المديريات الموجودة في الهيئة كمديريات المتابعة وقسم الاعتماد الصحفي، حيث يندرج تحته تقديم الخدمات الاتية:
- ترخيص مزاولة مهن الإنتاج والتوزيع الفني.
- ترخيص مزاولة مهنة إنشاء دار عرض سينمائي.
- ترخيص مزاولة مهنة بيع الأقراص المدمجة وخلافه.
- ترخيص مزاولة مهنة تقديم خدمات ذات صفة إعلامية.

- تخصصك الدراسي هو “اقتصاد الأعمال” و يُعَدُّ تخصص الاقتصاد من التخصصات المندرجة ضمن آليات العلم الاجتماعي فكيف توظفينه في مهنتك الحالية كرئيس قسم؟
كما تفضلتِ فإن الاقتصاد أحد العلوم الاجتماعية والإنسانية والذي يختص بوصف عملية الإنتاج وتقديم التحليل المناسب لها.
أيضاً هو يُعنى بندرة الموارد وكيفية تحقيق الفائدة القصوى منها وطريقة تعامل الأفراد معها حيث يربط مجموعة من القطاعات المالية والاجتماعية والصناعية معاً ومن هذه المجالات
استطعت توظيف وإسقاط ما تعلمته في دراستي الجامعية على عملي علماً بأن الإعلام والاقتصاد بعيدان كل البعد إلا أن هناك حلقة وصل من حيث الجانب الاجتماعي حيث انك لابد من فهم سلوك الإنسان في التعامل مع أي مورد وقد تتعجبي أنني أتعامل مع أي معلومة في على أنها مورد نادر يجب المحافظة عليه وتطويره، ففهمك للناس وطريقة تفكيرهم يرتبط بالجانب الاجتماعي من الاقتصاد، ولا تنسي أنه من العلوم التي تعتمد على الرياضيات وفي قسمنا هناك رسوم وحسابات يجب عليك إعطائها بدقة في حين تطلب الأمر عدا عن التقارير وتحليل النتائج وتحديد نقاط القوة والضعف وهو بطريقة ما من علم الاقتصاد.

- أطرف المواقف التي مررت بها أثناء مسيرتك العملية؟
كثير من المواقف هي التي نتعرض لها بحكم سنوات العمل والخبرة التي خضتها فمنها الطريف ومنها ما يسبب لك المضايقة ولو كانت بينك وبين نفسك فهناك الجميل وهو التعرف على الناس ومحاولة امتصاص غضبهم في حال كان محتداً وهناك الأجمل.
لكن صدقاً من أجمل الظروف التي عملت بها هي ظرف “جائحة كورونا” يعني جعلنا هذا الظرف أن ننظر في الكثير من الأشياء على صعيد العمل وعلى الصعيد الشخصي وجعلنا نعيد النظر في الكثير من الأشياء التي كنا نعتبرها أولوية وهي في الأصل ثانوية والعمل تحت أي ظرف استثنائي هو خبرة بحد ذاته.
- كامرأة فاعلة في المجتمع متى وكيف يبدأ يومك؟
يعني تقريبا يبدأ يومي من الساعة الخامسة والنصف صباحاً مروراً بالفترة “الشفت” الصباحي وهو مرحلة التحضير لما قبل المدرسة والحضانة ثم العمل ثم الفترة “الشفت” المسائي وهذا الشفت يبدأ تقريبا من الساعة ٤ عصراً وينتهي حسب همتك ولكن بحد أدنى الساعة ٨ مساءً بدون أي ظروف استثنائية كالامتحانات مثلاً هنا تعلن حالة الطوارئ في البيت.

- أنت الشخص الأهم في هذه المعادلة ( البيت والعمل) هل تحاولين مكافأة نفسك بين الفترة والأخرى؟ كيف؟
نعم أكيد انطلاقاً من مبدأ حديث رسولنا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم ” وإن لبدنك عليك حق” من هذا المنطلق أحاول ترتيب أموري ووقتي وميزانيتي، كيف؟
بأبسط ما تتوقعين، وفي الكثير من الأوقات أثناء مغادرتي العمل متوجهة إلى البيت أي وقت ” الترويحة ” أقوم بسماع أغنية من الأغاني التي أحبها، بصراحة هذا يغير من مزاجي ” يعدل مودي”، وأيضاً مجرد ممارسة هوايتي المفضلة وهي التسوق واختيار ملابس جديدة بين الفترة والأخرى فهذا ينعكس بالإيجاب على نفسيتي وعن طريق هوايتي أفرغ كل الضغط الواقع عليّ.
بالإمكان سرقة ساعة أو ساعتين بمغادرة خاصة مع صديقاتي المفضلات لشرب فنجان قهوة أو ترتيب رحلة قصيرة بمعنى أن تفصلي نفسك عن عالمك ومسؤولياتك لو لمجرد ساعة
لممارسة الرياضة والتي أحبها كثيراً ولكن للأسف ضيق الوقت حرمني منها.
- هناك مقولة يتداولها الكثيرون: ” العمر بيخلص، والشغل ما بيخلص ” ماقولك؟
الأولويات التي في عملك وفي بيتك من الممكن أن تخلصك من الالتزامات الكثيرة الواقعة على عاتقك وبكل أريحية، وتأكدي طالما أنك قادرة على العطاء ستظلين في قمة عنفوانك وعطائك والمسؤولية ستبقى هي هي لن تخف ولكن من الممكن أن تتحولي من دور لدور ومن نوع التزام لنوع التزام آخر، حالياً أنتِ تقومين بدور الأم والمرأة العاملة وهنا دورك سيتغير لن تبقين الأم بقدر ما ستصبحين الصديقة لأبنائك والمرشدة طبعاً كل هذا بمشاركة الزوج، وبعدها سيتغير الدور من امرأة عاملة لمتقاعدة، وبعدها ستعيشين دور الـــ “حماية” والــــ “جدة” ، المرأة معطاءة بطبيعتها لا يمكن أن تتوقف عن عطائها ربما يقل لكن لا ينقطع.

- كلمة أخيرة تودين توجيهها للجمهور؟
أولاً: تمسكِ بحلمك وتأكدي أنه حلاوة ولذة الطريق للوصول أحلى من الوصول للهدف بحد ذاته ودائما اجعلي معيارك في أي عمل تقومين به هو أن يكون خالصاً لوجه الله تعالى واحتساب الأجر سواء بعملك أو في بيتك فكلكم راعٍ وكلكم مسؤولٌ عن رعيته.
ثانياً: أجمل ما يمكن أن تقومي به هو مساعدة الناس ورسم البسمة على وجوههم وفعلياً عندما تقومين بتقديم أي مساعدة مهما كانت بسيطة ستغمر السعادة نفسك وتعطيك شعوراً لا يمكن وصفه ناهيك عن الأجر والثواب.
وأريد القول إن نجاح أي امرأة هو نجاح لزوجها ولأهلها فهو ليس نجاحاً محتكراً عليها فقط وأجمل ما في الحياة التشاركية في كل شيء لو لمجرد قرار.
واخيراً، لا أنسى فضل والدي ووالدتي ورضاهما عليّ وكل ما أنا فيه هو من صالح دعائهما. دمتم بخير وأتمنى أن لا تنسوني من صالح دعائكم.
