



“الجزء الثاني”


لا تخافي يا سعاد فأنا هنا بجانبك ولن اتركك بعون الله إلا بعد أن تذهبي إلى بر الأمان ، ولكن أُريد منك أن تخبريني بالصعاب التي مررتي بها حتى نستطيع أن نخرج الذكريات السيئة و نحاول أن نبدأ صفحة جديدة في حياتك .
ماذا تحبين أن تفعلي في وقت الفراغ ؟
ساد الصمت فجأة و أخذت سعاد تفكر ..
ثم قالت : هل تعلمين لم يسألني أحد عن ماذا أُحب طوال حياتي ؟ ، كنت دائماً أقول فقط سمعاً و طاعة ، لم أشعر في يوم أنني إنسان ، بل قيمتي بقيمة الكرسي أو الطاولة لا أكثر .
أخذت نفساً عميق ثم أغمضت عينيها و قالت : أحب البحر ليتني أستطيع أن أذهب إليه ، و أحب ايضاً الاشجار فهي تعطيني القوة كيف يمكن لها أن تبقى ثابتة برغم كل الفصول التي تمر بها …
قالت الدكتورة : جميل جداً كلامك ، ماذا حدث معك لكي تخرجي عن صمتك و تطلبين النجدة ؟
قالت : بعد قدوم طفلي الأول اسميناه تحسين ، على اسم والده حتى الاسم لم يكن لي الحق في اختياره، كان مثل اللعبة بين يدي ، عندما لا أعرف ماذا أفعل له أبكي بجانبه مضت أعوامي بصعوبة ، و ازداد ضرب زوجي و توبيخي أمام الناس في الشارع و في المنزل لا يخجل من نفسه في السر و العلن .
قالت الدكتورة : كم طفل لديك ؟
قالت سعاد : انجبت تحسين و سالم فقط، و من بعدها كانت المحاولات تبوء بالفشل ، حمد لله على كل حال ، جسدي متعب لم يحتمل الضرب أو المحاولات الفاشلة في الحمل ، كنت اذهب للطبيب فقط فنحن سجناء المنزل لا يستطيع أحدٌ الخروج منه إلا بإذنه ، أولادي لا أعرف طريق مدرستهم ولا حتى شكل الشارع ، صابتني فوبيا الخروج فكان يضيق نفسي و أتصبب عرقاً عند خروجي من المنزل .
بعد مرور عشر سنوات على زواجي ، كنت متيقنة أنه لا يوجد أمل في خروجي من هذا السجن ، حياتي ملطخة في السواد .
أنا جسد بلا روح ، صمتت من جديد و أخذت دموعها تسيل بغزارة ، مددت لهاعلبة المناديل .
في ليلة من الليالي السوداء ، وراحت تتلعثم و ترتجف ، حدثت الطامة الكبرى ، كنت جالسة على الأريكة انتظرعودته إلى المنزل
دخل من الباب و في يدة قنينه مليئة بشرب ذو لون أحمر يترنح يمنةً و يسرةً فأخذ يصرخ لأنني لم أجهز المائدة ، قال : يا غبية يا عديمة الكرامة و بدأ ينعتني بأقذر الكلمات ، فقلت له : إن الطعام جاهز ولكنه لم يسمعني كأنه في عالم آخر ، ضربني ولم يبقى في جسدي مكان سليم ، من شدة صراخي ، سقطت على الأرض بلا حراك و ارتطم رأسي في الطاولة فأخذ الدم يسيل ، جلس على الأريكة و كان في حوزته كيس شفاف بداخلة بودرة بيضاء اخذ يشتمها أنا في ذلك الوقت لم أكن أعلم أنها مخدرات ، لم استطع التحدث ، فحاولت الوقوف لكن بلا فائدة ، أولادي كانوا ينظرون من طرف باب غرفتهم ، شعرت بالإهانة بحجم الكون ، يا لي من أم ساقطة حتى اولادي لا استطيع حمايتهم ، أخذت أبكي و استجمعت نفسي و أنفاسي و حاولت أن أقول بكل ما اوتيت من قوة أيها الحقير اخرج من المنزل ، عندما سمع صوتي وقف و نظر إلي وأخرج من جيبة سكين صغيرة أتوقع أنه يستخدمها لفتح الأكياس و قال : أقتلك إذا صدر منك صوت و سقط على الأرض و بدأ يرتجف ، فأخذت السكين و ضربته في قدمه مزقتها تمزيق أأأأأخ كم شعرت بالراحة و الإنتقام .
من بعدها لم يتحرك و خرجت أنا و أولادي من المنزل نركض لا أعلم كيف كان شكلي ولا أدري أين أذهب ، صابتني حالة هستيرية أرجف و أبكي ، جلسنا في الطريق و كان الجو ماطر .
هل سوف أرتاح في يوم من الأيام وأنام بسلام ؟ ارجوكِ ساعديني .
قالت الدكتورة : أنا معك ، لا تخافي سوف تكونين بسلام إن شاء الله ،طريقنا طويل يا سعاد و سوف نمشي فيه خطوة خطوة ، بالبداية يجب علينا أن نزيل السواد الذي بقلبك ، وكلما تحدثتي كلما أصبح حالك أفضل ، فالصمت يقتل صاحبه ، و تذكري أن للمرأة حقوق و عليها أن تأخذها حتى تعيش بكرامة ، لك الحق في الحياة و الحق في التعلم و العمل و في إختيار الزوج و الكثير منها سوف نطبق الواحد تلو الآخر .
قالت الدكتورة : أكملي لي القصة .
فقالت سعاد : تجمع الناس من حولنا ، و أخذت أضحك بصوت مرتفع ، فتعجب الناس و طلبوا الشرطة جاءت الشرطة و أخذتني و قلت لهم أنني حاولت أن اقتل زوجي ، فذهبوا للمنزل و اخذوه للمستشفى أما أنا فجئت إلى حماية الأسرة مع أطفالي ، و اليوم التالي حولوني إليك ، زوجي أصبح في صحة جيدة ، لا أمد الله في عمره ، لو كان معي شهادة لكنت انتفعت بها و لم أبقَ عالة على نفسي و لا استطيع توفير الطعام لأولادي ، لا أُريد أن أعود إليه يكفيني من الألم ما تحملته .
قالت الدكتورة : لا تخافي يا سعاد لن تعودي لذلك المنزل إن شاء الله و لكن يجب أن نوفر لك مسكن و طريقة تستطيعين أن تحسني من نفسك مادياً و لا تعتمدي على أحد ، سوف تتعلمين الخياطة و تصبحين خياطة ماهرة ، وسوف توفر لك حماية الأسرة مسكن ، ولن انقطع عنك كل اسبوع اريد أن اراك ليزول الهم الذي يسكن قلبك يا حبيبتي .
قالت سعاد : أشكرك يا دكتورة ، أنتِ مثل بلسم للقلب زادك الله قوة و صحة .
أخذت تبكي فمسكت يدها وقلت لها ولك أيضاً يا سعاد فنحن النساء طاقاتنا متفجرة ، كل متوقع آتٍ فتوقعي الأفضل ولا تسمحي لأحد أن يحرمك من حقوقك …
النهاية
