


حينما كنت طالبة في مرحلة الدراسات العليا، ولأنني أسعى إلى تطوير ذاتي على جميع الأصعدة التي من الممكن أن تمسّ شخصيتي ومستقبلي، فإنني كنت أرى من خلال الاستزادة في التعليم الطريق الأكثر صوابًا لبلوغ الرخاء والرفاه، كما أنني ألمح دومًا نموذج المجتمع العصري الذي يتطلب وجود أشخاص متعلمين ولا يقبل دونهم، فأردت أن أكون ممن يقبلهم المجتمع.
حقيقةً في البداية رغبت في الالتحاق ببرنامج الدراسات العليا كوسيلة للحصول على الوظيفة المناسبة والأفضل، كما أن ذلك يحقق لي شعور بالرضا من الناحية الاجتماعية وتميزًا شخصيًا، أيضًا الشعور بالاستقرار النفسي والمادي كانت حاجة ملحة بالنسبة لي.
وقتها كنت على يقين بأن الأشخاص الأكثر تعليمًا سيكون أداؤهم أكثر كفاءةً، بالتالي يتحقق الهدف المنشود، إلا أنني في الوقت الحالي أرى الأمر بمنظور مختلف، وأن لا علاقة لذلك، حيث أن هناك العديد من قصص النجاح حقق أصحابها أهدافهم بكفاءة، برغم أنهم من ذوي الأقل حظًا في التعليم، لذا أرى أنه من غير الممكن تجاهل هذه الفئة.
كما أنه إذا لم يتم استثمار التعليم بشكل مناسب وعقلاني، من حيث اتساع الطلب على التعليم، فإن ذلك يؤدي إلى تدني جودة التعليم ذاته وانخفاض في كفاءة أداء المعلمين، وغالبًا قلة الفرص المتاحة على المدى البعيد، فهذا إن دل على شيء، فإنه يدل على وجود بعض من الإفراط في التعليم.
مع ذلك فإنني لا أنكر فضل العلم بالنسبة لي شخصيًا، خاصة في مرحلة الدراسات العليا، والتي أتاحت لي فرصة التفكير بعمق عن أسباب ودوافع الالتحاق بالدراسات العليا، ليس هذا فقط، إنما ساعدتني هذه المرحلة على تعلم طريقة البحث والتفكير التأملي في معرفة الحقائق وتحليلها، بصراحة إنني لا أنكر كم أن التعليم بالنسبة لي يعد مصدر قوة، لأنني وجدت ذاتي الحقيقية في خضمّ أعماقي.
وإنني فعلًا قمت بدراسة أسباب ودوافع الالتحاق ببرامج الدراسات العليا –كبحث علمي- وتوصلت إلى نتيجة أن من أهم الأسباب دافعية نحو الالتحاق هو من أجل العلم ذاته وتطوير البحث العلمي، الذي هو للأسف له النصيب الأقل من موازنة الدولة، حتى أنني تعجّبت من أن دافع النمو الاقتصادي كان من الأسباب الأقل دافعية نحو الالتحاق!
لذا أرى أن التعليم ليس فيه مغالاة أو إفراط، إنما الربط بين ارتفاع مستوى التعليم وبين تحقيق مستوى مرتفع من الرخاء يعتبر وهم.
