


يوجد العنف في كل المجتمعات وبنفس الحدة وإن تغيرت النسب، وقد ذكرنا في ملف سابق العنف وأنواعه وأشكاله وأسبابه.
وعلينا أن نعرف في ملفنا هذا أن أي فعل ضار بالآخرين عبر وسائل التواصل الاجتماعي سواء كان بسلوك غير أخلاقي وغير مسموح به أو بألفاظ القذف والسب والشتم أوالترويج والتحقير أوبالمساس بالحياة الاجتماعية أونشر خطاب الكراهية والعدوانية بين الأفراد والمجتمعات أو تهديد الاستقرار الأمني والمجتمعي وغيرها من السلوكات المشينة نسميها هنا بـــ”العنف الالكتروني” إنه عنف لا يحتاج إلى استعمال القوة أو الضرب.
فالعنف عبر السوشال ميديا جريمة متعددة الحدود ومنتشرة في كافة جوانب الحياة وغير خاضعة لنطاق قانوني، وأحياناً يكون من الصعب معرفة الأشخاص الذين يمارسون العنف ضد الآخرين عبر هذه الوسائل.
إن العنف الممارس عبر مواقع السوشيال ميديا له مخاطر عدة يستدعي الوقوف عليها خاصة المخاطر الاجتماعية والتي لها دور في تصدع التنشئة الأسرية وازدياد ظاهرة التفكك الأسري.
إذاً العنف الإلكتروني أصبح ظاهرة خطرة ومقلقة ونتائجه السلبية تنعكس آثارها على المجتمعات.
وهنا بإمكاننا القول إن السوشيال ميديا هي أحد الأسباب المباشرة لوقوع الجرائم والعنف فالمجتمع الافتراضى والإعلام المرئى والمسموع والمقروء والجروبات النسائية وقيام الأم بأدوار مختلفة ووجودها على جروبات عديدة للأولاد والمدرسة والدروس الخصوصية واللبس والموضة وغيرها…، جعلها تتلقى رسائل عديدة ومن اتجاهات مختلفة نتج عنها تفكك فى الشخصية نفسها.
وبإمكاننا إضافة أن تراجع الوعي الديني والأخلاقي وغياب الوعي بقيم الأسرة لدى الشباب وتراجع الهيمنة الأسرية للأب والأم والندية بين الزوجين والسخرية المتبادلة بينهما وما ينتج عنها من نتائج فى منتهى الخطورة وخروج الحياة الأسرية للفضاء العام وانهيار خصوصية الأسرة وتراجع الشعور بالمسؤولية وغياب الحدود الواضحة بين الحقوق والواجبات بين أفراد المجتمع يعتبر سبباً واضحاً لزيادة الأزمة والعنف على أرض الواقع وداخل العالم الافتراضي أيضاً.

مــا علاقة “السوشيال ميديا” بالمرأة؟
مع تغير طبيعة حياة المرأة وتغير صورتها النمطية التي اعتاد المجتمع على رؤيتها بها حيث أصبحت أكثر انفتاحاً على المجتمع وعلى مجالات الحياة العلمية والعملية، فبوجود عالم السوشيال ميديا وشبكات التواصل الاجتماعي وارتباطها بشكل كبير بكل مجالات الحياة، تمكنت المرأة من تعزيز حضورها وتسليط الضوء على كل ما تقدمه في مختلف المجالات حتى على صعيد حياتها الشخصية.
فقد اتخذت من السوشيال ميديا منبراً للحرية لها كحرية التعبير عن الرأي ومشاركة أفكارها مع الآخرين أو الشكوى والتذمر ….وغيرها من الأمور، فساهمت السوشيال ميديا في خلق مساحة للمرأة للتعبير ولكنها في ذات الوقت جعلت منها هدفاً سهلاً للهجوم والقمع سواءً على شخصها أو أفكارها ورأيها.

السوشيال ميديا والقانون
قواعد سلوكية صارمة تحكمها العادات والتقاليد هي التي تحدد شكل العلاقات الاجتماعية داخل المجتمعات, كما وُجِدَت القوانين لتنظيم الحقوق والالتزامات وتنظيم العلاقات بين مكونات المجتمع، ووضعت العقوبات لردع المتجاوزين ومنع التعدي على الناس وحقوقهم، ولكن هذا لم يمنع العنف أوالتعدي على الآخرين فقد تعددت الأشكال والأدوات خاصة مع دخول السوشيال ميديا واقتحام مواقع التواصل الاجتماعي لحياة الأفراد بشكل مفاجئ وسرعة انتشارها فهذا لم يعطِ الوقت لوضع وتشكيل قواعد سلوكية لتحكم هذه المواقع, ورغم المحاولات الكثيرة لوضع البروتوكولات التي قد تضبط فوضى التعامل في العالم الافتراضي إلا أنها قواعد لم تستطع التحكم بهذه الفوضى ولا حتى حل مشاكل مواقع التواصل الاجتماعي التي يتعرض لها الكثيرون.
لذا نجد أن الكثير من الدول تسعى جاهدة للبحث في كيفية مواجهة قضايا العنف والجرائم داخل وسائل التواصل الاجتماعي.

المرأة والعنف الإلكتروني
تعتبر المرأة نفسها أحد العوامل الرئيسة لبعض أنواع العنف والاضطهاد وذلك لأنها تقبلت هذا الأمر واتخذت التسامح والخضوع والخنوع والسكوت عليه كردِ فعلٍ لها، مما أدى إلى التطاول عليها بمختلف الأشكال والطرق.
والعنف الإلكتروني يعتبر من أصعب أنواع العنف الموجه ضد المرأة، حيث يترتب عليه صدمات متعددة، والجهل وعدم المعرفة بكيفية التعامل مع التداعيات النفسية والاجتماعية والقانونية لضحايا العنف الإلكتروني يزيدان الوضع تعقيدا.
وقد انتشر مفهوم العنف الإلكتروني ضد المرأة على نطاق واسع في ظل الانفتاح التكنولوجي الكبير، ومن أشكاله: الابتزاز، والتحرش الجنسي، والتهديدات بالعنف، وجمع الوثائق، ورسائل المضايقات، وتبادل المحتوى الإباحي، وذلك وسط جملة من العادات والتقاليد التي تضع حدوداً اجتماعية صارمة.
ورغم الإساءات المنتشرة عبر مواقع التواصل الاجتماعي والتي تتعرض لها المرأة إلا أن الهوس بالسوشيال ميديا والاهتمام بالمظاهر آخذ بالازدياد، مما فتح باب المقارنات داخل الأسرة، فولّد حالة من عدم الرضا لدى كثير من النساء.

إن الكثير من الدراسات تشير إلى أن العنف الإلكترونى ضد المرأة له آثار نفسية واجتماعية ومادية واقتصادية، ولكن الآثار الأكثر انتشارًا والتى تشعر بها معظم النساء اللائى يتعرضن للعنف الإلكتروني هي الآثار النفسية.
ومن أكثر هذه الآثار النفسية شيوعًا القلق والأرق وتشوه الصورة الذاتية ونوبات الهلع والخوف الشديد من مغادرة المنزل أو التعامل مع المحيط من أشخاص مقربين أو غرباء بالإضافة إلى الشعور بالإذلال وقد تصل أحياناً إلى الأفكار الانتحارية أو الانخراط فى سلوك إيذاء النفس.
قد يعتبر البعض أن المرأة مضطهدة على مواقع التواصل الاجتماعي ولكن البعض الآخر يرى أنها هي السبب الرئيسي في هذا الأمر وأن الحرية الكبيرة الغير مضبوطة والغير مقيدة بقوانين والتي تتمتع بها عبر هذه المواقع سبباً واضحاً لما تتعرض له من ابتزاز أو عنف إلكتروني مما يشكل خطراً على استقرار حياتها, وعليها أن تكون حذرة وحكيمة في استخدامها للمواقع الإلكترونية، وفي المقابل لهذا الأمر نجد أن السوشيال ميديا هي جانب إيجابي وفاعل في حياة البعض الآخر من النساء اللواتي أحسن الاستخدام، فتواجد المرأة عبر مواقع التواصل الاجتماعي قد يكون له صورة مميزة وهادفة ويفوق تواجد الرجل.
إذاً طريقة استخدام السوشيال ميديا من قبل المرأة هو فعلاً سلاح ذو حدين بإمكانها أن تصوغه لها كيفما تشاء ووقتما تشاء وفي نهاية المطاف هي المسؤول الأول والأخير وهي من ستدفع الثمن باهظاً إن ارتكبت خطأً ما.
في نهاية المطاف نستطيع القول إن الواقع الافتراضي لا يحمل عصًا سحريةً يُمكّنها من تغيير أنماط اجتماعية عشنا معها وبها ولكنه يفتح أبوابًا جديدة من الممكن أن توظفها النساء للمساهمة في انتزاع حريتهن وفرض وجودهن وبكل احترام.

“السوشيال ميديا“
هي مواقع إلكترونية تساعد على تعزيز التفاعل والتواصل الاجتماعي بين الأشخاص في جميع أنحاء العالم, قد يكون هدفها الأساسي هو تكوين شبكة علاقات ومعارف كبيرة فتسمى “مواقع الشبكات الاجتماعية”، وقد يكون هدفها مشاركة الصور واللحظات الهامة فتسمى “مواقع مشاركة الصور”، أو يكون هدفها مشاركة مقاطع الفيديو فتسمى “مواقع مشاركة الفيديو”، أو تستخدم لمشاركة التدوينات والمقالات فتسمى “مواقع التدوين الاجتماعي”، وقد يتم استخدامها لطرح الأسئلة والنقاشات فيكون اسمها هنا” مواقع النقاش”.
إذاً هناك العديد من المنصات للتواصل الاجتماعي المنتشرة والتي يدخلها ملايين المستخدمين يومياً خاصة في ظل الإيقاع السريع للحياة وعدم وجود الوقت الكافي للتواصل على أرض الواقع فأصبحت الوسيلة المثلى لذلك.
وفي الحقيقة إن إمكانية التواصل بلا حدود مع العالم الخارجي فتحت آفاقاً وإمكانيات لكافة البشر لتطوير حياتهم على كل المستويات وربما لتدمير حياتهم من جانبٍ آخر، لذا ينطبق هنا القول إن “السوشال ميديا” أو “مواقع التواصل الاجتماعي” ما هي إلا سلاح ذو حدين ويأتي هذا بناءً على طريقة الاستخدام، فإما أن تروضها لخدمتك أو تصبح آفة مدمرة لك.
ومن هنا نستطيع أن نحكم على مستوى درجة الوعي والحكمة لدى الأفراد، وكونك اخترت أن تدخل هذا العالم الافتراضي أمام أُناسٍ لا تعرفهم عليك أن تتوخى الحذر وتتسم به.

