


الرائع في الإنسان تميزه في قدرته على التفكير، والأروع يتمثل في قدرته على التفكير في عملية التفكير ذاتها.
إني أدرك كم أن الإنسان يستغرق وقتًا كبيرًا عند التفكير بأمر معين يمكن أن يأخذ جلّ وقته لأمر يكون تنفيذه بدقائق وربما ثواني! لكن لو تمعّنا في عملية التفكير وبشكل منطقي وعقلاني، لما كان هذا الإسراف في الوقت الذي لا داعي لهدره، خاصة إذا كان يجلب القلق أو التوتر أو التوقع لأمور قد تحصل أو لا تحصل على الإطلاق! فهذه دعوة في التفكير بمنطق وبشكل عقلاني.
الإدراك لهذا الأمر يوصلنا إلى حقيقة نسعى لها ونتوق إليها… وهي إدراك الذات… فعند الوصول إلى قمة هذا التعبير في إدراك الذات فإن كل ما هو غامض أو مبهم سوف يتلاشى؛ لأنه وببساطة ما نبحث عنه قد بان.. ومن هذا المدخل تتاح لنا فرصة “الحرية في الاختيار” المتمثلة في اختيار طريقتنا في نهج حياتنا، بالإضافة إلى الاستجابة التي نرغب أن تكون ملازمة لنا.. وأن الإنسان هو سيد الموقف آنذاك، ولأنه يعرف بقرار نفسه ما يريد… وتندرج من خلال الفرصة هذه الملكات الطبيعية، التي تجعل من الإنسان متفردا في إنسانيته.. تتمثل في: الخيال، الضمير، والإرادة المستقلة.
فكلما كانت قدرتنا على التمتع والسمو بهذه الملكات.. فإنه بالتأكيد تزداد قدرتنا على تحقيق الإمكانات الإنسانية وبقوة، وأساسها حرية الاختيار. وعندما تستقر هذه المفاهيم بالنفس البشرية وتثبت لديه كأساس ومبدأ، فإنه تضاء له طريق تدفع به نحو روح المبادرة… وحتى نكون أشخاص مبادرين ونمتلك حرية الاختيار، لابد من تقرير علوّ شأن القيم التي نستند ونرتكز عليها في توجهاتنا، إذ تكون بداية هذا الأمر في أننا قد قمنا بعملية التفكير المتأني، وقناعتنا التامة بقيمة معينة هي التي توصلنا إلى ما نؤول إليه.. ومن هنا تتشكل المبادرة.
فالمبادرة هي التي تميز بين الأشخاص الفاعلين والمفعولين.. وكم هو الفرق عميق بينهما، وذلك أنها ترتبط بالطاقة والرغبة في تحقيق هدف معين، بالإضافة إلى تقبل الأمور والاستجابة إليها بشكل مناسب، مع محاولة تغييرها إلى ما نصبو إليه.. وإذا قمنا بملاحظة طريقة استجابتنا للأمور والتكيف معها، بالتأكيد سوف ندرك لغتنا التي نستخدمها، وتأثيرها على سلوكنا؛ فكم من كلمات أو عبارات لها رنين يؤثر على المدى البعيد فينا، وقد يكون أحيانًا جزء لا يتجزأ من تكويننا!
ولنقف وقفة في هذه.. طالما أننا تأثرنا بكلماتنا ولغتنا، فمن المؤكد أننا سنكمل دور التأثير في الآخرين، في أي شأن كان، فإننا بلا وعي نقوم بتوسعة دائرة التأثير الخاصة بنا، بالمقابل تصغر دائرة الهموم أو الاهتمامات الأخرى! وأننا استعنّا بالطاقة الإيجابية والتي تهدف على إحداث تغيير إيجابي بالطبع! وتترجم هذه أن اختيارنا لاستجاباتنا هي الأساس فيما توصلنا إليه.
وفي مقدورنا الآن أن نتوصل عبر هذه الآلية إلى تحقيق ما يسمى بروح المبادرة، وأن نعتبر أنفسنا أشخاصاً مبادرين.
