

الأرضُ تلفظ أنفاسها الأخيرة وما عادت قادرة على استيعاب المزيد، أراضية هي؟ لا أعتقد، بل غاضبة هي.

أقفُ بحيرةٍ أمامها أنظرُ لخارطةِ الوقائع وأسمعُ بدقةٍ ما يدور وما يتفوهون به تحتَ السطور لا بينها، وأتأملُ قرعَ الطبول وكل ما يدور، الأحداثُ هي هي… تتكرر ولكن ربما تتكرر الآن بشكلٍ متطور أكثر وأصبحت فنون الصراعات أفخم وبشكل فارهٍ لَسِن، فلا أستغرب أي ردة فعلٍ منها في وقتنا هذا أو في زمن بات قريباً جداً منا، الأمر لا يحتاج إلى تلك الحاسة التي يسمونها السادسة ولا لعنجهية الفراسة… خطوط اليد أليست واضحة حتى وإن أتى عليها الزمن وجار؟
وكذلك رَدّاتُ فعلِ أُمنا الأرض مكشوفة، وها هو حبلها على الجرار، سواء أومأت برأسها أو ألاحت بكفها أو جلجلت بصرختها، النهاية محتومة ومختومة ولا تَقْبَلُ المفاوضات.
لا ضيرعليها في أي قرار قد تأخذه، فالبشرية امتهنت تألقها في نهش بعضها البعض وغمرت الشعوبُ نفسها عذاباً، يُعَمّرون الأرضَ ببطشهم وظلمهم وجبروتهم، وأي ابتناء هذا وقد شابت الأرض بعد شبابها وما كنت أعتقد أن نضارتها تُسلب، هي اليوم تنازع وتوزع أكفانها لمن خرجوا منها لاستتمامهم إلى لحدها بين أحضانها مبكراً، أليست هي التي نقول عنها “منها وإليها” ولكن لا أعرف حقاً متى ستأخذ قرارها الحاسم ولا أعرف إن كنت أشفق على أهل الأرض أو أغضب منهم أو عليّ أن أنتظر لأرى المشهد كاملاً أمامي.
لا عتب عليك يا أرض ؟!
أعرف أنك تعانين، أعرف أنك حزينة، أعرف أنك لا تستطيعين التحمل أكثر، أعرف أنهم عاثوا فيك فساداً، أعرف أن المخطئ مصيب والمصيب مخطئ، والجاهل عالم والعالم جاهل، والقوي ضعيف والضعيف قوي، والصادق كاذب والكاذب صادق، والإنساني وحشي والوحشي إنساني، أعرف أن الموازين اختلفت واختلط الأمر عليكِ، أعرف أنهم يقامرون على تقسيمك وكلهم يراهنون على خرابك والتغني على أطلال رحيلك
خسارة اعتقدتِ أنك تقومين على بشريتك، ولكن بشريتك تقوم على خرابك.

