

“الطاسة ضايعة”…هذا حال الشارع

كالعادة يتصفح الكثير منا مختلف وسائل الإعلام سواء كانت المرئية أو المسموعة أو المقروءة منها باحثين عن الأخبار المهمة والأكثر قرباً من اهتماماتنا, مواضيع عدة وعناوين كثيرة منها مايثير انتباهنا ومنها ما نمر عليه مرور الكرام ومنها ما تقشعر لها الأبدان وبالكاد يستطيع العقل البشري استيعاب ما يحدث حينها.
فالمجريات والأحداث متسارعة والتفنن في بث الريبة والاشمئزاز في القلوب أصبح عادياً جداً وصنع الجريمة هو موضع ومربط الفرس.
نعم هذا ما سنتحدث عنه اليوم في مقالنا هذا – وطبعاً كالعادة لا نعمم – إن ارتفاع معدل الجريمة في المجتمعات, وازدياد حالات القتل وتبلد المشاعر والخلل المجتمعي الذي نعيشه واضح وضوح الشمس وشماعة حمل الأسايا على أهبة الاستعداد لاستقبال الأسباب الغير مقنعة والغير منطقية وعذراً لقولنا ” الاستهتار “ هو سيد الموقف وهنا تصبح الأمور عادية, فماذا لو قتل الوالد ولده؟! والأم قتلت ابنتها؟! والابن يقتل أباه؟! والزميل يقتل زميله؟! والجار يتربص بجاره ويقتله؟! والصاحب المغوار الذي يتغنى ويتغزل بقتل صاحبه! “والطاسة ضايعة” والعثور على الأسباب بات مستحيلاً لأنه لا أسباب تُذكر أو حتى تستحق والكثير منهم “غايبين طوشة” و“النخونجي” يدافع ويتصدر أمور النزاع رغم أنه لا يدري لحظتها ما الحاصل ولكنه قد يدخل بفضوله مسرح الجريمة لينطبق عليه المثل القائل ” يا داخل بين البصلة وقشرتها …..”
هذا وصف وملخص سريع لما يدور حولنا من عجائب في دنيا نعتقد أنها وصلت لآخر زمانها, فهي مليئة بالقتل والذبح والبلطجة والنهايات المريرة الغير متوقعة, نتفاجأ في كل مرة بحادثة وبمقتل أحدهم على يد الآخر وتتطور الجريمة ويتطور مسرحها.
صحيح أن الجريمة مذكورة منذ بدئ الخلق فهي ليست حديثة العهد وصحيح أنها كانت حالات فردية ولكن أن تتطور لهذه الدرجة وتصبح نمطاً اجتماعياً أو ظاهرة متكررة تَنُم عن عدم المقدرة على التحكم بالتصرفات والانفعالات الذاتية هنا نستطيع القول إن الترابط والاستقرار والأمن المجتمعي الذي يبحث عنه الجميع أصبح في خبر كان.
هل من المعقول أننا وصلنا للحظة التي سنطالب فيها لانتفاضة في العلاج النفسي والاجتماعي لمن يُقْدِم على هذه الأفعال التي نصفها بأنها ضد الفطرة الإنسانية التي جُبِلنا عليها؟!
فبين الفينة والأخرى تشغل قضايا القتل والجرائم الرأي العام وتصير موضع حديث الشارع, وما بين مستغرب ومتفرج وخائف ومستنكر ومابين مطلق للأحكام و للتصريحات تتفاقم المشكلة ويتضاعف حجم الجريمة.
خسارة أن نعيش في مجتمعات سمتها غير طبيعية لا تحترم القانون تسودها لغة البلطجة والقوة والعنف واللاإنسانية, مجتمعات مشغولة بسفاسف الأمور لاهية تائهة خالية من الترابط والمحبة التي كانت أساسها قديماً, مجتمعات تخلت عن الدين والقيم والعادات والتقاليد ووضعت القانون والدستور جانباً, مجتمعات لا تفكر ولا تتعب على نفسها أكل فيها الإنسان أخاه الإنسان, مجتمعات تقضي على الأخضر واليابس, مجتمعات تسللت الجريمة إليها ولطبقاتها المختلفة, مجتمعات تقوم أغلب العلاقات فيها على الشك وسوء الظن والانتقام, مجتمعات تودي بنفسها إلى التهلكة, مجتمعات تُبيح المحظورات وتنتهك الحرمات وتتلذذ بالمحرمات, مجتمعات أبدلت حضاراتها وثقافاتها بالانحدار والجري وراء الشهوات, مجتمعات تدهورت كافة الأوضاع فيها وتنامت الظواهر الغير مقبولة, مجتمعات وصلت لمرحلة اللاعودة في اتخاذ القرارات مهما كانت النتيجة والتبعات المترتبة على مثل هذه القرارات, مجتمعات ضائعة اقتصادياً وسياسياً واجتماعياً وثقافياً وفي أغلب القطاعات, مجتمعات خائفة من اليوم ومن يوم غد فتتخبط ببعضها وتعبر عما بداخلها بنوبات غضب وهلع تترجمها على أرض الواقع بالقتل وإدمان الجريمة.
فأين البر والرأفة والرحمة؟ أين الإنسانية والأخلاق والانتماء؟ أين الضمير؟ لماذا باتت قلوبنا مقابر خاوية ؟ لما القسوة؟ لما الكره والحقد؟ لماذا تجردنا من ثوبنا الإنساني وأبدلناه بما لايليق بنا ؟
ليتنا نعود لرشدنا ونوازن الأمور أكثر وليتنا نعرف حق قدرنا ونؤمن بأن على الإنسان أن يحب لأخيه ما يحب لنفسه وليس منا من يحب قتل نفسه أو الانتقام منها!
