تسجل فيسينتا (في الوسط) ومعاونتها دارا أرغويلو (على اليسار) طالبات اللجوء من عبر الحدود القريبة مع نيكاراغوا لمساعدتهن في الوصول إلى الخدمات الأساسية. © UNHCR/Nicolo Filippo Rosso
المصدر: المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين
فيسينتا تقدم كعكة بمناسبة عيد الأم، وهي عطلة عامة في كوستاريكا، لعائلتها والضيوف الآخرين المجتمعين في مزرعتها لهذه المناسبة. © UNHCR/Nicolo Filippo Rosso

منذ وصولها إلى كوستاريكا قبل أكثر من 50 عاماً، أخذت فيسينتا غونزاليس على عاتقها مهمة مساعدة النساء من المجتمع المحلي واللاجئات على التخلص من سوء المعاملة، والبدء من جديد.

تقصد النساء مزرعة فيسينتا لطلب مساعدتها منذ ما يقرب من نصف قرن. إنها تقع في نهاية طريق ترابي وعر في منطقة نائية شمال كوستاريكا، وخلال موسم الأمطار، يصبح الطريق غير سالكٍ تقريباً بسبب الطين. رغم ذلك، فإنه يعج باستمرار بالمركبات من جميع الأنواع، ويشهد تدفقاً مستمراً من الزوار الذين يتجهون إلى بيت فيسينتا سيراً على الأقدام.

في سن يتأقلم فيه الكثيرون مع حياة التقاعد، لم يسبق لفيسينتا – وهي جدّةٌ تبلغ من العمر 74 عاماً وقابلة سابقة – أن كانت أكثر انشغالاً في أي وقت مضى. فمن إطلاق المشاريع المجتمعية والعثور على فرص عملٍ للسكان في منطقة تعاني من البطالة، إلى تحدي الهيمنة الذكورية المتجذرة والبحث عن ملجأ للناجين من العنف القائم على نوع الجنس، أصبحت فيسينتا عنصراً أساسياً في مجتمعها ومقصداً لأفراده المحتاجين للمساعدة.

أجبرت الأزمة الاجتماعية والسياسية في نيكاراغوا – الجارة الشمالية لكوستاريكا – أكثر من 200,000 شخصٍ على الفرار من البلاد منذ عام 2018. وعملت غونزاليس – التي تقع مزرعتها على بعد بضع كيلومتراتٍ من الحدود – بلا كللٍ لتوفير الطعام والمأوى والأساسيات الأخرى لطالبات اللجوء وأطفالهن. 

وقالت غونزاليس، التي يناديها الجميع باحترام باسم ”السيدة فينسينتا“: ”إنهن في عوزٍ شديد، وبحاجةٍ إلى إيجاد مكانٍ يأوين إليه.. عند وصولهن لا يكن على معرفةٍ بأي مكان يمكنهن الذهاب إليه أو بأي شخصٍ (يرشدهن).. في حال مرض إحداهن، عليّ أن أكتشف كيف يمكنني مساعدتها. وإن كانت إحداهن مصابة، فلا بد لي من معرفة كيف يمكنني الدفاع عنها.. يترتب علي أن أقوم بدور الممرضة، والطبيبة، والمستشارة، وجليسة الأطفال“. 

نظراً لعملها في الدفاع عن حقوق النساء المستضعفات على جانبي الحدود المجاورة، اختيرت فيسينتا لتكون الفائزة الإقليمية بجائزة نانسن للاجئ لعام 2022 للأمريكتين، وهي جائزة سنوية مرموقة تكرم أولئك الذين بذلوا جهوداً استثنائية دعماً للنازحين قسراً والأشخاص عديمي الجنسية.

حالها حال الكثيرين في المنطقة الحدودية هذه سهلة العبور، فإن لفيسينتا جذور في نيكاراغوا.. إذ أنها قد ولدت هناك، وهي الرابعة من بين خمسة أطفال لوالديها المزارعَين. ومع قلة الفرص الدراسية، فقد كانت تبقى في أغلب الأحيان في المنزل، شأنها في ذلك شأن العديد من الفتيات في المناطق الريفية في مساحات شاسعة من أمريكا الوسطى. ومع ذلك، تقول غونزاليس بأنها – حتى عندما كانت طفلة – كانت تحلم بالسفر والهروب من القيود الضيقة للمجتمع الذي ولدت في كنفه.

وقد أبدت فيسينتا نفس القدر من السخاء في وقتٍ مبكرٍ من عمرها، حيث تستذكر أنها كانت في الـ12 من عمرها تقريباً عندما تحدت أوامر والدتها بتجنب أحد الجيران الذي كان يعاني من مرض رئوي معدي لتأخذ الطعام والدواء إليه خلسة

بر.ائها بزوجها الكوستاريكي، وانتقالها إلى بلاده منذ نحو 55 عاماً. فبعد أن اشترى الزوجان الشابان مزرعة مساحتها 11 هكتاراً، وفيها مشتلٌ لنباتات الكاكاو المعمرة، بالقرب من بلدة أوبالا الحدودية الشمالية، سرعان ما أصبحت غونزاليس شخصية بارزةً في المجتمع، وكانت القابلة التي يقصدها الجميع في المنطقة، وأقرب ما يكون لأوائل المستجيبين لحالات الطوارئ. وقبل وقتٍ طويل من تمهيد الطريق الترابية المؤدية إلى مزرعتها، كان الناس يتجهون إليها على متن زورق عبر نهر قريب لطلب المساعدة في حالات الولادة وحالات الطوارئ. وعلى مر العقود، أشرفت على ولادة نحو 213 طفلاً، وأنجبت طفلين، واحتضنت وربّت ثلاثةً آخرين – عادت إحداهن مؤخراً إلى المزرعة، مع أسرتها، بعد وفاة زوج فيسينتا مؤخراً.

حتى بعد تخليها في السنوات القليلة الماضية عن دورها كقابلة، استمرت النساء في اللجوء إلى فيسينتا للحصول على المساعدة. وتستذكر حادثة مروعةً بشكل خاص، حيث وصلت امرأة من نيكاراغوا إلى عتبة منزلها ومعها سبعة أطفال، بحثاً عن عمل ومكان آمن للإقامة بعد أن هاجمها زوجها بمطرقة.

دفعت حوادث مماثلة لا حصر لها فيسينتا إلى تشكيل “رابطة أوبالا لرائدات الأعمال” (AMECUP)، وهي منظمة مكرسة للمساعدة في الدفاع عن النساء وحقوقهن.  وقالت فيسينتا: “إن كنا لا نعرف حقوقنا، فلن نتمكن من رفع رؤوسنا عالياً”.

يتمحور عمل الرابطة جزئياً حول ”استراحات القهوة بعد الظهر“ المنتظمة، حيث تجتمع النساء في مزرعة فيسينتا ويتحدثن صراحة عن الموضوعات المحظورة، مثل العنف القائم على نوع الجنس. وعندما يتعرّفن على نساء يتعرضن لهذا العنف، تعمل الرابطة لإيجاد أفضل حل، سواء كان ذلك على شكل جلسات علاجية للعلاقات الزوجية أو إيجاد ملجأ للنساء.

بالنسبة للنساء اللواتي يخترن الابتعاد عن العلاقات المتسمة بالعنف، تساعد فيسينتا من خلال توفير مآوٍ مؤقتة، أو عن طريق إحالة النساء إلى الوكالات الحكومية أو المنظمات غير الحكومية. وغالباً ما يُلزم نقص الوظائف في المنطقة النساء بعلاقات مسيئة، لذلك يزود برنامج الرابطة  أيضاً الناجيات بالمهارات التي يحتجنها لبدء أعمالهن التجارية الصغيرة الخاصة بهن، ويوفر ورش عمل حول مواضيع مثل صناعة الخبز والصابون.

تقول فيسينتا أن النساء اللواتي اضطررن للفرار من نيكاراغوا معرضات بشكل خاص للعنف القائم على نوع الجنس، إذ أنهن غالباً ما يعبرن الحدود دون وثائق، وليس معهن سوى أطفالهن والقليل مما أمكن لهن حمله.

فيسينتا (يمين) وكارمن* (يسار) وهي طالبة لجوء تبلغ من العمر 38 عاماً من نيكاراغوا، تعتنيان بحوالي 3,000 شجرة من أشجار الكاكاو في مزرعة فيسينتا. © UNHCR/Nicolo Filippo Rosso

وقالت ياميليث غارسيا، وهي أول امرأة تتولى منصب العمدة في أوبالا: “إن (فيسينتا) شخص مميز جداً، لديها قلب نبيل ورغبة – أو بالأحرى – موهبة حقيقية تتمثل في قدرتها على مساعدة إخوانها من البشر، ولا سيما أولئك القادمين من نيكاراغوا”.

منحت فيسينتا جزءاً من أرضها لهذه القضية، حيث تستخدم حبوب الكاكاو من مزرعتها العضوية كمواد خام لمجموعة واسعة من المنتجات – من حبيبات وقوالب الشوكولاتة والشاي و”نبيذ الكاكاو”، إلى أدوات التجميل مثل كريمات ترطيب الوجه وملمع الشفاه. تجمع الرابطة الأموال عن طريق بيع المنتجات تحت علامة “كاكاوتيكا” التجارية، ولقاء ذلك، يمد أعضاء الرابطة يد المساعدة في المهمة المجهدة المتمثلة في رعاية أشجار المزرعة البالغ عددها 3,000 شجرة.

وقالت فيسينتا، التي تساعدها ذكرياتها عن وصولها إلى هنا في شبابها في التعاطف مع اللاجئين وطالبي اللجوء المضطرين الآن للفرار من موطنها الأصلي نيكاراغوا: ”ما يحفزني هو المحبة التي أحملها للآخرين، أشعر وكأنني أتعرض لمشاكلهم نفسها، فقد واجهت مشاكل (مماثلة) عندما وصلت في البداية.. هذا ما يحفزني ويملأني بالمشاعر“.

كان العمل مع فيسينتا والنساء الأخريات في الرابطة بمثابة هبة من السماء لكارمن*، وهي أمٌ نيكاراغوية لثلاثة أطفال لها من العمر 38 عاماً، وقد اضطرت للفرار من الاضطهاد في المنزل مع أطفالها وأخواتها وأمها.

قالت كارمن: “إنها قدوة لنا”. وأضافت بأنها – بفضل مساعدة فيسينتا والنساء الأخريات – تمكنت أخيراً من الخروج من علاقة مسيئة والمساعدة في إعالة أسرتها عن طريق صنع وبيع الصابون التقليدي. واستطردت قائلة: “إنها توضح للنساء كيف يتعلمن، وكيف يكن مستقلات بذواتهن، لكي لا يتكلن على الآخرين”.

وعندما سُئلت عما إذا كانت تخشى أن يعرضها عملها للخطر، تحدثت فيسينتا عن تعرضها للتهديد من قبل زوج امرأة كانت قد وفرت لها المأوى.

عادت بالذاكرة قائلةً: “أخبرته بأنني ’إن كنت سأضحي بحياتي، فسيكون ذلك دفاعاً عن النساء’”. وأضافت: “لقد بذلت كل ما بوسعي، وكرست حياتي (لمساعدة) النساء على الهروب من العنف”.

تعالج فيسينتا حبوب الكاكاو المجففة والمطحونة في عجينة تُستخدم في صنع الشوكولا وغيرها من المنتجات القائمة على الكاكاو والتي تُباع تحت علامة Cacaotica التابعة للجمعية. © UNHCR/Nicolo Filippo

اكتشاف المزيد من News-human media

اشترك للحصول على أحدث التدوينات في بريدك الإلكتروني.

By الإعلام الإنساني

الإعلام الإنساني... الواقع كما هو💬✍️

اترك رد

اكتشاف المزيد من News-human media

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading