
إذا كبرت الخسة آخرتها سلطة


صورة حضارية راقية أن نراعي الآداب والأخلاقيات العامة لنكون من قائمة المجتمعات التي على الأقل من الممكن أن يُشار لها بالبنان ولكن يؤسفني أن الحسرة في قلبي ملأته على واقعٍ مرير وكما أقول دوماً في مقالاتي “لا أُعمم” ولكن ما نشاهده أمام أعيننا يُحتم علينا الخوض في هكذا أُمور وهكذا قضايا.
لا أُخفيكم زرت بلاداً عدة وقرأت عن بلادٍ أخرى وقابلت أُناساً من مختلف الجنسيات وأيقنت تماماً أن القانون الرادع والقاسي والذي يُطبق بحذافيره دون النظر إلى الأصل والفصل ودون التمييز بين فردٍ وآخر تأتي نتائجه صائبة ومجدية، صحيحٌ أننا لسنا الأسواء من بين كل المشاهدات ولكن حتماً لسنا الأفضل وكل ما في الأمر أننا اليوم ننوه لبعض الأمور التي إن انتبهنا لها قد نرمم ما تم إفساده.
أن نقارن أنفسنا مع غيرنا ليس هو محور الكون في مقالنا، ولكن الهدف هو أن نعرف المعادلة الصحيحة لنستطيع طرح الآتي: ماهي حدودنا في السلوك والفعل في بلدٍ أعطى مواطنيه كامل حقوقهم على أمل -على الأقل- أن يتم نقل صورة إيجابية عنه لا صورة مشوهة ؟
لن أتحدث عن قصات شعر ولا عن طريقة لباس ولا عن ألفاظ نابية قد تصدرعن بعضهم ليسمعها البعض الآخرلأنها في النهاية هي خاصة بفاعلها، ولكن سأتحدث عن سلوكيات وتصرفات تضر المظهر العام، عن سلبيات تتراكم لتفرض نمطاً معيشياً اعتاد عليه المعظم فظنوا أنه الصواب وأنه الأمر الطبيعي وهذا إن دلّ على شيء دلّ على عدم المسؤولية وعدم الانتماء.
سأتطرق لشيء قد يواجهنا يومياً في حياتنا اليومية وبالتحديد في شوارعنا العامة وهو عدم احترام الطريق فسواء كنت السائق أو الراكب أو حتى الماشي على قدميه الأمر سيان، فالأول حجته أملئ الفراغ فلا تطبيق لقواعد القيادة ولا احترام لإشارات المرور وأينما جاءته الفرصة في انتهاك القانون تلذذ واستمتع فهو بعيد كل البعد عن أن القيادة فن وأخلاق وذوق والثاني حجته أن الأجرة دفعها وهذا يعطيه كامل الحق في انتهاك القطاع العام للمواصلات سواء بالتخريب وإلحاق الأذى بوسائط المواصلات العامة فهي الآن ملكه وحده فيتفنن في العنطزة والفنطزة وإلحاق الضرر أكثر وكأنك تشاهد برنامجاً أمامك عنوانه ( عاد لينتقم ) … ولكن ممن ؟!
والثالث يظن نفسه مالكاً للطريق العام مُتناسياً أنه للجميع وهو جزء من الجميع وليس له وحده، فيتصرف دون الأخذ بالاعتبار أن للطريق حرمة وعليه مراعاتها.
راقبوا معي الآتي … ركبت المواصلات العامة في إحدى الدول الشقيقة ( التكسي، الحافلة، المترو، القطار) وفي كل مرة أركبها أشعر أنها المرة الأولى لها في العمل تراها نظيفة رائحتها عطرة جديدة رغم أنها مستعملة لمراتٍ ومرات لا خدوش في مقتنياتها ولا خربشات على كراسيها والأهم من كل هذا أنك قد تركب مع العشرات من الأشخاص في مركبة واحدة دون أن تسمع صوتاً لأحدهم فيزعجك ودون أن يرفع أحدهم عينه لاختلاس النظر إليك، يركبون باحترام ويغادرون باحترام كل في حال سبيله.
بينما ركبت التكسي والحافلة في بلدنا وهنا الاختلاف، سائق التكسي يريد فوق عداده أجرة زائدة لأن جهاز التكييف في السيارة يستهلك وقوداً وآخر يريد أجرة زائدة لأن الجو حار ودرجات الحرارة مرتفعة وكأن الراكب هو سبب في ارتفاع الحرارة وآخر لا يريد أن تركب معه لأسبابه الخاصه فربما شكلك لا يعجبه وهو يريد اختيار الركاب كما نقول بالعامية “على الفرازة” وربما الطريق الذي سيسلكه الراكب مُغاير عن طريقه وآخر يقص عليك قصة حياته والمأساة التي يعيشها والوضع الاقتصادي والوضع العام والشكاوى التي تنهال على رأسك كراكب لتشعر أن مصائب الدنيا هي بسببك أنت.
وإن قررت أن تركب المواصلات العامة تجد واقع الحال مُبكي فإن وقفت لانتظار الحافلة تشك بنفسك لكثرة النظرات التي يرمقونك إياها عاديك عن اللانظام وعدم انتظام الدور والشاطر من يأخذ مكانك عنوة وعدم الالتزام بالمواعيد مع العلم أنه لو كل جهة التزمت بالنظام والقانون ما وجدنا كل هذه الفوضى في شوارعنا ولا كل هذا الازدحام الخانق والغير منظم، هناك ازدحامات في دولٍ رأيتها وأكثر من تلك الموجودة في مجتمعنا ولكن الفرق هو التزام كل واحد مسربه دون التعدي على مسرب الآخر ودون تطاول أو انتهاك الحقوق فتجد الأرمة مرت بسلاسة دونما حتى تأخير وكل يصل في موعده، وسؤالي هو ما المانع من أن نكون من بين الدول التي يُشهد لها بحسن الذوق العام؟!
هذا خارج وسيلة النقل فما بالك الداخل؟! انظر إن صعدت الحافلة مثلاً تجد الأصوات والكلمات التي يتقاذفونها فيما بينهم والأدهى والأمر من كل هذا ملوثات الهواء وأسوأها التدخين .
هل يُعقل أن نركب في وسائل المواصلات العامة لنجد السائق يدخن والراكب يدخن وإن أزعجك هذا الأمر لا تستطيع التعبير والكلام لأن أبسط ما ستسمعه ” اللي مش عاجبه ………” رغم أن لافتة “ممنوع التدخين” تجدها في كل الأماكن ولكن لا تطبيق للقانون.
أتعرفون أنه في دول مجاورة حتى في الحدائق العامة والأماكن التي يتواجد فيها الناس يُمنع التدخين وأن هناك أماكن خاصة للمدخنين ومن يخالف القانون يلقى جزاءه من مخالفة ومن غرامة مالية دون تدخل الواسطة فيها لتخفيف الحكم؟
نحن في المحال التجارية يُدخنون في المكاتب المغلقة وفي الشركات والمؤسسات يُدخنون دون احترام الآداب العامة، حتى إن وُجِدَت أماكن خاصة للتدخين يتقاعسون وينتابهم الكسل ولا يكلف نفسه الواحد منهم للذهاب والتدخين في المكان المخصص، لنرى بعد كل هذه المشاهد أعقاب السجائر مترامية هنا وهناك وفي كل مكان وإن تكلمت أسكتوك بقولهم : سيأتي من ينظف وراءنا أليس له راتب ويتقاضاه ؟! التنظيف ليس عملنا.
وعلى سيرة التنظيف، أعتقد أن المعظم سافر خارج البلاد لأهداف كثيرة قد تكون للعمل أو للسياحة أو للعلاج … وغيرها، المهم أُجزم أن معظمكم التزم القواعد والآداب وخاصة في موضوع النظافة فلا أحد يرمي المخلفات على الأرض لأن هناك أماكن خاصة يضعها فيها والأهم هناك قانون يحتم عليك فعل ذلك وإن خالفته ستنال عقابك من مخالفة وغرامة مادية وربما الحبس، نعم الحبس.
إذاً لماذا لا نرى هذا في شوارعنا وفي مناطقنا التي نستهدفها للرحلات والسياحة رغم أن سلال القمامة والنفايات متواجدة وإن لم تكن موجودة ما المانع من وضع مخلفاتك في أكياس ووضعها جانباً بدلاً من نثرها على الأرض لتأتي أنت وغيرك بعدها تبحثون عن مكان يناسب جلوسكم والعائلة فلا تجدوا لتعلو أصواتكم عالياً فتصرخون وتتشاجرون وتندبون حظكم في عدم توفر الأماكن والخدمات والحدائق ولكن هذا ما جنته أيديكم.
وعند الحديث عن الصراخ والصوت العالي والشتم يأتي الحديث عن حرمة الطريق وعن جملة الآداب والأخلاقيات التي جاء بها الإسلام لمراعاة الذوق العام، خسارة أن نجد هذه الصفات خارج مجتمعنا ونحن لا نتحلى بها .
هذه يا سادة يا كرام أبسط المشاهد والمواقف التي قد تُقابلنا في حياتنا اليومية، للأسف يقتلنا الفضول في معرفة أخبار الناس وما لا يخصنا وما لا ينفعنا ولا نحرك فضولنا عندما نريد أن نعرف كيف استطاعت المجتمعات الأخرى وفي فترة وجيزة الرقي بسلوكياتها وتصرفاتها، علماً أن جميع المعطيات متشابهة وما هو متوفر هنا متوفرٌ هناك وهناك ولكن الاختلاف الوحيد هو في الأفراد الذين تمادوا في الاستهتار وعدم اللامسؤولية ولم يتعودوا على تطبيق القانون الصارم على المخطئ حتى لو كان خطأه بسيطاً كرمي ورقةٍ في الشارع تُخرب المشهد العام.
هذه هي ” كبرت عنطزتنا واللامسؤولية وشوفة الحال الفاضية وضاعت المواطنة الصالحة وعمت الفوضى ونسينا إنه إذا كبرت الخسة آخرتها سلطة “.

مبدعة دكتورة اريج ومتميزة كالعادة