
بريشة: نور أبو هنطش

بقلم: سوسن الصعيدي

من منا لم يمر بألم نفسي أو جسدي، تُرى أي منهما أصعب .. ؟؟كيف نتعامل مع هذا الألم .. من أين ينشأ و متى سينتهي؟؟!
عندما نعاني من أيٍّ من هذه الآلام .. تصيبنا حالة من الهلع و الجزع و يتملّكنا الخوف متسائلين ما الذي ألم بنا ؟!!
نحاول مداواة ما أصابنا .. نترك الدنيا بما رحبت جانباً ، و تسيطر على عقولنا و تفكيرنا فكرة واحدة فقط ( متى سأتعافى و متى ستهدأ الآلام؟؟! ) ، نُجْبرُ على نترك روتين الحياة المملِّ بنظرنا .. تتغير عاداتنا اليومية و جدولنا .. مشاعرنا و تفاعلاتنا .. تتغير ملامحنا ..و تصبح أعظم مطالبنا اليومية اللّا منتهية عادة .. مجرّد الحصول على قسط من النوم براحة من دون أوجاع .
في هذه الظروف الصعبة ،لم تعد الأشياء التي كانت تغضبك و تثيرك و تستفزك تهمّك.. لم يعد للجدال و الإنتقاد و اللّوم و العتاب و السعي لأمور الدنيا مكان … هي دوامة جارفة متعبة مفاجئة .. و ربما مخيفة..
لتصبح حينها هذه الحياة التي كانت تركض بنا متسارعة .. كساعة توقفت عقاربها عن الحركة.. لا شعور للأيام المتعاقبة.. بلا مذاق و بلا رائحة و بلا لون..
أصبحتَ الآن خائر القوى .. تشعرُ أنّك وحيدٌ تماماً مع ألمك ،و لا تعرف ماذا تفعل ،فقداسْتفذتَ كلَّ السبُّل و لجأت لأمهرِ المُختصين ..المختلفة آراؤهم حول العلاجِ الأمثل لألمك ، .. لكن ، لا يمكن لأي بشرٍ أن يشعر بما تشعر ..
هنا و وسط الذهول و الدهشة و الصمت رغم جلبة ما يحدث داخلك من اضطرابات .. ، تُنصت بانكسار لتسمع صوت الحقيقة من داخلك ، يوقظ غفلتك ليريك حقيقة ادعاءات القوة و القدرة المطلقة التي اعتقدتها و صدّقتها و التي لا يملكها إلّا الله.. فتقرر التَّسليم الكامل لأمر الله.. الذي يخلق ما لا نرى أو نُدرك ..، سواء اتّسع حجمه و عظُم أو تضاءل و صغُر ، مخلوقات صغيرة تُجنَّد ،فتُمْرض جسداً أو قد تُهْلكه و تُطيح به أرضاً.
هَدَأْتْ و توقّفتْ و تفكّرتْ.. الآن أنت تعتقد بيقين و ثقة أن الله بيده سبحانه كل شيئ .. حينها ستتحقق المعجزات الإلهية لتنقذك.. سواء بالشفاء العاجل لك.. أو بالهامك الصّبر بتقبلك لفكرة المرض لتستمر بالعلاج الى أن يشاء الله … فيبدل حالك بحال.. بقوله كن فيكون..
سيبقى الإنسان يتعلم و يتعلّم محاولاً حلَّ معضلة ما.. إلى أن يشاء الله أن يفهمه إياها ..
فلا تغتر بقوتك و صحتك .و ذكائك و شهادتك و خبرتك و علاقاتك و عائلتك و أموالك ….. كلها آنية و زائلة و متغيرة .. وقتية و قد تكون لحظية..
أجل كله قد ينتهي بلحظة..
و لا تعتقد ان الكون حينها سيتوقف ..سيستمر كل شيئ بعد أن ينتهي دورك ووقتك.. حينها لن ينفع مال أو بنون إلا من أتى الله بقلب سليم .. فاستعد و اعلم أننا ضيوف الرحمن على هذه الأرض المؤقتة…. فتزوّد للرحلة الكبرى .. و ما هي إلا دار اختبار لا دار مقام..
( زوار جئنا على الدنيا و العمر كله نهار ) ، أتسائل ؟؟! إلى أين سيقودنا مشوارنا و إلى أين سيوصلنا ؟؟!.. و ماذا سنترك بعد الرحيل ..؟؟!
لذا اعتبر و اتعظ و اعمل و توكل .. امض و سر .. تواضع و تيقّظ و استعد و افهم حقيقة نحن ننكرها و نتغافل عنها و ننساها و نتحدّاها.. بمجرد أن نشعر أننا بخير ..
جدد طاقتك و استمتع بأبسط الامور…. تنفس بعمق.. استمع اكثر . استعمل حواسك المجمّدة…و اسمح لعقلك بالهدوء و الانفتاح على الكون .. كن متسامحا مع نفسك أولّاً ..
انها دعوة للتعرف على حقيقة وجودنا .. و التعرف على ذواتنا و التصالح معها و تقدير العطايا و الهبات و النعم .. التي لا ندركها و لا نراها و لا نشعر بها و لا نهتم بها..إلى أن نفقدها..
كن كالنسمات المتحركة المسافرة المسالمة الآتية من عالم الطيبة و الجمال من عالم لا يعرف الكذب و النفاق و الغيبة و النميمة و الخداع و الغدر و الحرب و الدمار و القسوة و المعاناة و الضياع و الشتات و الغربة و العنصرية و القتل و التشريد و القهر و التعب و الذل .. و تدمير الأحلام ووضع العقبات و الواسطات و غلبة المحسوبية و الشلليّة، و ..و ..و .. من عالم الألم الى عالم الاّ ألم…
