
سيبقى الكرسي والكفاءة في “الباي باي”


نستغرب من تلك الظاهرة التي نكاد نجزم أنها ليست مقتصرة على فئة معينة من الناس ولا على منصب بحد ذاته ولا حتى على مجتمعات دون غيرها، فحسب ما نراه بأم أعيننا وما نسمعه ممن هم حولنا والأحداث المتصاعدة التي نشهدها نجد أنها منتشرة بشكلٍ كبير رغم أننا كالعادة ” لا نُعمم ” ولكن اقتضى التنويه.
بصراحة ظاهرتنا اليوم لا أعرف ماذا أطلق عليها من مُسميات أو تشبيهات فهي واضحة وضوح الشمس وسنتكلم معكم دونما تملق أو مجاملات واسمحوا لنا أن نطرح فيما بعد بعض التساؤلات.
في كل المجتمعات تتغير الإدارات وتتغير معها المناصب وتتغير معها أيضاً الشخصيات وهذا هو الشيء الطبيعي والمتعارف عليه في كل الدوائر سواء كانت الرسمية أو الغير رسمية، وفي مثل هذه الحالات أيضاً من الطبيعي عند استلام المناصب أن يُبلي الشخص البلاء الحسن وأن يُظهر أفضل ما عنده لأنه استلم المكان حديثاً وعليه أن يثبت جدارته، وبالطبع يكون الإثبات من خلال الإنجازات المتحققة في عهده، إلى هنا هذا هو الشيء الطبيعي والبديهي فكلٌ منا في منصبه أو مكانه يحاول إثبات نفسه وكفاءته وإعطاء الأفكار ووضع الخطط والاستراتيجيات كي يرفع وزارته أو دائرته أو مؤسسته أو شركته …. إلى أعلى المستويات، لأنه من المهم أن تكون المنافسة شريفة ويحصل على موقعه عن جدارة واستحقاق وهذا هو المتعارف عليه لأنه من المفروض أن يتم “وضع الرجل المناسب في المكان المناسب” واعذرونا إن شككنا في تطبيق هذه المقولة.
المهم أن الغريب في الأمر والذى أصبح الدارج الآن في وقتنا الحالي هو عند استلام المناصب الجديدة يحاولون جاهدين إلى إبراز كافة العيوب في الإدارات السابقة حتى وإن لم تكن موجودة، كما يحاولون البحث عن أي خلل أوعيب وهذا شيء جداً سامي ويبدو أنه في مصلحة سير العمل ولكن أن يكون الهدف من هذا هو إيقاع من سبقوهم في فخ الفساد، هذا هو الفساد بأم عينه فهم لا يفعلون هذا من باب الإصلاح بل من باب المؤامرة الفاسدة وتحقيق المصالح الشخصية حتى أنهم يتجنبون ذكر إنجازات وإيجابيات من سبقوهم خوفاً من أن يكشف نواياهم السيئة أحد.
في أغلب المشاهدات التي كانت أمامنا عندما تتغير الهيكلة الإدارية في موقعٍ ما نتوقع الأفضل ونتوقع أن تُكّمل الإدارات بعضها البعض والواقع أن من يأتي يدمر ما سبق ويبدأ في البناء من أول السطر ومن النادر جداً أن نسمع عن أحدهم أكمل مسيرة الآخر، برأيكم لماذا؟
هل اعتقاداً منهم أن هذا سيُنقص من قيمتهم؟ أو ربما من العيب أن يكملوا ما تم بدؤه سابقاً؟ أم أن هناك أسباباً يسرونها في أنفسهم لغايات وأغراضٍ لا نفهما نحن؟
وما يضع العقل بالكف أنه عند استلام أحدهم لمنصب إداري جديد تبدأ عملية التغير بشكل عشوائي غير مدروس بمعنى بدل الاستثمار في الكفاءات والعقول المتواجدة في الدائرة والعمل على تطويرها تبدأ عملية التغير في المبنى والمنشأة والديكورات والمحتويات والتخلص من أي شيء له صلة بالإدارة السابقة وكأن هذا سيرفع من سوية الإدارة ومن إنجازاتها، خسارة أن يتم تسليم زمام الأمور لسفهاء العقول، خسارة أن أصبح مصير دول بين أيدي من لا يفقهون ولا يعون ما يدور حولهم من أحداث ومجرياتِ أمور ولا يعرفون ما معنى أن تكون مسؤولاً إدارياً وقائداً فاعلاً يسعى لرفعة سوية العمل لا رفعة سوية الكرسي الذي يجلس عليه، فالكرسي لا معنى له إن لم تستطع إنجاز الأمور على أكمل وجه وإن لم تعمل على رفع مستوى الكفاءة لدى القائمين على العمل وإن لم تعمل على تأهيل العاملين ليكونوا فعلاً في أماكنهم الصحيحة والمناسبة.
والسؤال المطروح هل الانحطاط في مستويات الإنتاج على كافة الأصعدة جاء من فراغ؟ هل الشكليات هي من ترفع قيمة العمل أم العمل بحد ذاته هو من يرفع من قيمة نفسه؟ هل نقيس الإنجازات المحققة بقدر ما تم فعله على أرض الواقع وبقدر ما كانت النتائج إيجابية أم نقيسها بقدر كم جدارٍ هُدم وتم بناء غيره وكم مكتبٍ وكرسي تم استبداله وكم احتفال أُقيم ترحيباً بالإدارة الجديدة لا احتفالاً بالإنجاز والنجاح؟ وكم عدد الموظفين الذين تم استبدالهم بغيرهم من أصحاب النفوذ والواسطات لا من أصحاب الكفاءات؟
وكم من أموالٍ صُرفت على الشكليات والاستقبالات وعلى لا شيء وليتها صُرفت تكريماً لأحدهم على عمله أو مكافأة لنهاية خدمة أو حتى كقرض لأحد العمال أو الموظفين حينها سنعرف أنها سَدت من ضائقةِ واحدٍ منهم، وكم سمعنا وسنسمع عن مجتمعات دُمرت وتهدمت بسبب مثل هذه الأمور والتي يعتقدون أنها بسيطة وما عرفوا أنها مسمارٌ في نعش الكثير من الأوطان.
