
بريشة: نور أبوهنطش


مع بداية كل عام جديد نضع أهداف و خطط جديدة.. لنسأل أنفسنا ماذا أعددنا لهذا العام..
و ماذا فعلنا بالذي مضى و ما الذي تعلمناه من دروس و عبر و إنجازات و صعوبات..
يقول/ تقول: صحيت بكير الحمد لله اليوم صليت الفجر حاضر .. قرأت أدعية .. لسا من رمضان الماضي و انا بحاول أعمل ختمة تانية مو زابطة معي ..😢 يلا لنشوف الأخبار على هل القناة .. طيب هاي الإذاعة !! لا لا أسلوبهم محبط .. طيب شوية فيروزيّات.. نغير مود 😅 .. ما ضل وقت بسرعة نسيت التجهيزات الصباحية للأولاد .. خلصتو يلا مراجعات سريعة للإختبارات .. ليش مو متذكر يا ولد .. يا بنت مليون مرة عدنا و زدنا بجداول الضرب .. 🧐 بلش الطّابور يلا.. تجهيزات و تحضيرات يوميّة روتينية لا منتهية…
وصلت المكتب اخيرا … غريبة هاي المرة مو متأخر/ متأخرة ..ما في أزمة اليوم كالعادة .. شو صاير .. ؟!!! ما سمعت ؟؟ اه نسيت في إضراب لغلاء الأسعار ..
يا جماعة وين قهوتي .. ؟!! ما في وقت ..في مؤتمر كمان شوي.. في وفد من… في اجتماع .. في مراقبة… في مشكلة بالطابق ال… ما نزلت الرواتب.. ما استلمت الحوالة .. شو صار على القرض.. ما سكّرت الأقساط .. طلعت نتائج التحاليل .. رسائل مباركة و تعزية..، مين عنده توجيهي السّنة؟!!😟، موعد الدكتور المؤجل من.. قائمة المشتريات.. البيت ما في شي.. شو بدنا نطبخ .. صغرو الملابس بدنا جديد .. ما تنسى تجيب معك….. سكرو التدفئة دفي المكان .. مقطوعة المي اقتصدو لحد ما ترجع..شو خططكم للطلعة بنهاية الأسبوع..؟!!!!
لحظة لحظة…. مو متحمل/ مو متحملة .. ضغوطات ما بتخلص .. و كلو معصب .. كترت الأمراض و الجلطات و الطلاقات و الإنتحارات و السّرقات و الإعتداءات.. ليش يا ترى؟؟!
نمط حياة كلنا بنعيشه.. و ظروف حياة باختلافها بالشارع ،بالسوق ، بالعمل ، بالمدرسة و الجامعة، بالمسجد ، أو حتى ضمن محيطنا الصّغير و الأهم ( العائلة)و كلنا بنمر بظروف بتشبه بعض.. و قلال اللي بقدروا يغيروا .. أو يضيفوا شي جديد و ايجابي و نافع ..رغم الكم الهائل من الإحباطات و السلبيات و ردود الأفعال على الأحداث التي بتواجهم..
عم نلاحظ أن حالة من الغضب صارت على وجوه كتار .. و كلام مكرّر ( الوضع الاقتصادي، الإجتماعي، السّياسي، المادّي، العائلي، المهني، النّفسي.. كالنّار تزداد استعارًا و دمارًا للفرد و المجتمع ..فقرّرت أن أكتب … علّنا نصل ل حالة من الوعي على الأقل .. لنستطيع ايجاد اجابات و حلول تقودنا الى حياة أفضل ..
(اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ [الروم : 54]).
هذا المخلوق العجيب المتناقض القوي الضّعيف معًا ،الغاضب ،المتجبّر ،المتحكًم ،المغتر ،النّاقد، المدمّر الّناقم ،الغادر ،المخرّب .. و بالمقابل .. الهادئ ،المتواضع ، المتعاون ، المتواضع ،المادح ، المُصلح ، الرّاضي، المخلص، المعمّر ..
مخلوق معقد و مع كل هذه التعقيدات و اعجاز الله في خلقه قادر كما أبدع في خلقه ان ينهيه بلحظه .. و ما جعله يتحرك ضمن هذا الفضاء ما هو الا بقدرة الخالق الذي اعطي الأمر لأعضائه و حواسه و عقله و قلبه و كل ذرة من ذراته بالعمل المستمر بلا توقف ..
عندما خلقنا الله سبحانه خلقنا بكيفية يعلمها سبحانه .. و عندما وضع لنا أوامر و نواهي لم توضع عبثًا.. فهو أعلم بهذه النفس البشرية و ما جُبلت عليه من أضداد الخير و الشر ..
لقد تناول الباحثون و المحلّلون الموضوع الذي نحن في صدده ألا و هو ( الغضب) من جوانب متعددة .. وضعوا تفسيرات و دراسات لمعاني و مفهوم الغضب و كيف يحدث، و أنواعه و علاماته و أسبابه و نتائجه و آثاره ،و طرق إداراته و نصائح و حلول للتحكم به و مفاتيح السيطرة عليه و طرق التعامل مع الغاضب، ليساعدونا على ايجاد الأجوبة للتّساؤلات الهائلة حول هذا الموضوع الشّائك و المعقّد في العديد من جوانبه ، أكيد معظمنا بحث أو قرأ أو تعلّم أو حتى خاص تجارب شخصية و طبّق طرق متعدّدة للتّعامل معه..
الغضب كغيره من المشاعر هو ردة فعل طبيعيّة لموقف أو فعل أو كلمة أو خطر أو نتيجة شعور بالتّعب و التوتّر أو الإستياء أو عدم تلبية الاحتياجات البشريّة الأساسيّة ، أو لتعرِّض لسوء معاملة أو الشّعور بالاستفزاز أو معارضة للرأي، أو عند مواجهة عقبات تمنع من تحقيق الأهداف الشّخصية، كما قد يكون رد فعل على بعض المشاعر السّلبيّة التي تصيب الإنسان سواء كانت هذه المشاعر ذاتيّة أو موجه إليه من الآخرين ، و قد يكون نتيجة عدم تقبّل معتقدات و أفعال و آراء الآخرين .. الجدير بالذّكر أنَّ الغضب يكون رد فعل مقبول و منطقي أحيانًا إلاّ أنّه قد يكون مبالغًا فيه بأحيانٍ أخرى ، فينتج عنه أفعالًا أو كلامًا غير مرغوب فيه ، و غير عقلاني ، و عندما يشعر الّشخص المقابل بالتّهديد أو الإستياء سيؤثر سلبًا على التعامل الفّعال مع الآخرين .
كما أنه صنّف على أنّه خطر إنْ لم يتم التّحكم به .. لأن كميّة المشاعر و العواطف و الإنفعلات و الهرمونات التي توضع قد تهلك الانسان مرضًا و هرمًا و قهرًا.. على عكس المشاعر الإيجابية كالتفاؤل و المحبة و التسامح و الإيثار .. التي تبّث عافيةً و شبابًا و رحمةً و تسامحًا و إنصافًا و عدلًا..
كما قالوا أيضًا عن الغضب أنّه انفعال يحصل عند غليان دم القلب فيؤثر على زيادة معدلات ضربات القلب و ضغط الدم و الهرمونات، ووصفوه أنّه حركة استجابة سريعة من المخ لتهديد محتمل من الضّرر فيصبح الغضب الشّعور السّائد سلوكيًّا، ذهنيًّا و فسيولوجيًّا عندما يأخذ الشّخص الإختيار الواعي لاتخاذ إجراءات على الفور ، من شأنها وقف السّلوك التهديدي من قوة أخرى خارجيّة.
فيكون التعبير الخارجي عن الغضب بالوجه و لغة الجسد ، و يقول علماء النّفس أنَّ الشّخص الغاضب يتسبّب في فقدان القدرة على مراقبة و ضبط النّفس و الملاحظة الموضوعيّة.
طبعًا يختلف معنى الغصب من شخص لآخر في شكله و حدّته و أسبابه و مدّة استمراره ، و طريقة التّعبير عنه أو ربّما حتّى الاعتراف به، فالبعض يدرك جيّدًا غضبه بينما يفشل البعض الآخر في التّعرف على شعور الغضب عند حدوثه و نرى ذلك جيليًّا في أنماط الشّخصيات المتعددّة.
من الهّام جدّا إدراك أنَّ لكل فرد الحق في الغضب كما قد يكون الشّعور بالغضب صحيًّا و مبرّرًا في وقت ما ، و عندما يكون الغضب عاطفة مفيدة للعمل أو التّحفيز كمواجه انتهاك الحقوق و الحريّة و عدم الاحترام .
يجب أن نعي الفرق بين الغضب و العدوان أو العنف لكثرة ما يتم الخلط بينهما، حيث أنَّ الغضب عاطفة إنسانية طبيعية ان لم تتجاوز حدود الإيذاء اللّفظي أو الجسدي أو النّفسي للشخص نفسه أو للآخر .. بينما العدوان و العنف سلوكيّات خارجيّة اختياريّة ممنهجة و مقصودة و مخطّط لها.
هنا نطرح تساؤل مهم …!! اذا كان الأشخاص المتسامحون المحبّون مرتاحون أكثر ، اذن لماذا يقولون ( الطّيبون يموتون أولا) .. تعلمون لماذا؟؟! لأن مشاعرهم قوّية و متفانين و مضحّين وصامتين و معطائين و متعاونين لأبعد الحدود .. اذن هل نوقف طيبتنا؟؟! طبعًا لا .. انّما نتعلّم كيف و لمن و متى نقّدمها.. و أن نعي أنَّ الله عندما خلقنا أوجب علينا عمارة الأرض مع المحافظة على أنفسنا فلا نحملّها ما لا طاقة لنا به سواء كان صحيًّا أو نفسيًّا أو جسديًّا.. فنعتني بعقولنا و قلوبنا و أجسادنا التي هي أمانة ..
حقيقةً هناك أمر نغفل عنه و هو ملاحظة التّغير الذي يحصل لنا عند الغضب الشّديد ،لنتخيّل معًا شكل الغاضب بحاله غليانه و خروجه عن السّيطرة … كيف تراه؟؟ مخيف ، هائج ، مدمّر ، مؤذي ،بعيون جاحظة حمراء منتفخة وجه مكفهرٌّ مُسْودٌّ محْمرٌّ مصْفرٌّ مخْضرٌّ ،ملامح قاسية عابسة.. لو ثبَّت الغاضب صورته و رأى نفسه في هذه اللّحظة لانصدم .. و تفاجأ لا بل و ارتعب ..😳
هناك أنماط لشخصيّة الغاضب ..نذكر بعض منها فقط للتّفكر ..
أحيانًا يكون الغاضب قلقًا متنمرًّا و لا يعرف الاسترخاء أبدًا.. ليس متعاطفًا، قاسي القلب، غير مبالي و غير مهتم .. بل و يخفي غضبه المُشتعل بقناع تحته قبح و بشاعة ، يتظاهر بالبرود و ابتسامة مزيّفة مُصطنعة ، و قد يتعمّد التّجاهل و الإستفزاز… و الإستهزاء .. و يتفنّن بالأذى بجميع أنواعه.. من دون أدنى شعور بالنّدم أو حتى الخطأ.. لا يعتذر إن أساء.. و لا يعترف أصلاً أنّه أساء .. يمرضك قهْرًا و حزنًا و خوفًا..(احذر هذا النّوع).. و ابتعد قدر الإمكان عنه..
و أحيانًا يكون الغاضب ضعيفًا صامتًا متواريًا خجلًا.. يخفي غضبه خوفًا من الإنتقاد .. أو لمنفعة يجنيها بمُداراته .. قد يكون ضميره يؤنّبه.. لكنّه خائف من المواجهة أو التّعبير بصدق، لذا قد يلجأ للكذب و التّجمل و العيش بقالب اختاره له الآخرون لأنّ ليس له ارادة .. مُتحكَّمٌ به.. منقاد في دنياه.. يسعى نحو أهداف ماديّة قد تخلو من القيم .. بل قد يقوده هواه الى التّتنازل عمّا هو أعظم ..( الدّعاء بالرّحمة و المغفرة و صلاح الحال).
و أحيانًا يكون الغاضب طيّبًا ، كريمًا معطاءً محبًّا و أعطى أكثر ممّا يجب فانفجر لأتفه الأسباب لكثرة ما تحمّل و تغافل و كتم .. لم يكن معتدلا .. بل مضحّيًا الى حد تضييع حقّه و صحّته و ربّما كرامته.. تراه تعبًا مرهقًا .. مهمومًا.. مترنّحنا.. حزينًا .. لا يقّدر نفسه ، يجلد ذاته و يلوم نفسه، و يشكو حاله، و الأخطر قد ينسلخ عن نفسه فلا يرى أنّه كائن له وجود .. يمشي كالشّبح .. لا يرغب بالحديث و قد يصل لمرحلة الضّياع و الإكتآب و الإنطواء .. ( ضرورة استشارة من مختص ).
هنا ندرك و نرى حكمة الله و علمه الواسع و رحمته، بأن أرسل لنا نبيّا انسانًا لا ملاكًا ،هاديًا راقيًا ليعلّمنا كيف نصلح أحوالنا و نكون متوازنين و جعل لنا فيه أسوة حسنة بمواقفه و أفعاله و تصرّفاته ..فكان عليه الصّلاة و السًلام ناصحًا موجّهًا معلِّمًا.. بوحي من الله الذي خلقنا و يعلم ما جبلنا عليه فما نحن إلّا من طين ( ماء و تراب مختلطان) ركّبهما الله ثمَّ نفخ روحًا لتكون بأصلها طيًبةً مباركة لا خبيثة فاسدة. بالتأكيد على ذلك :
قوله تعالى :{وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً} [الإسراء: 70]، ومن خلال قول النبي صلى الله عليه وسلم: «كلُّ مولودٍ يولد على الفطرة، فأبواه يُهَوِّدانِهِ أو يُنَصِّرانِهِ أو يُمَجِّسانِهِ» رواه البخاري ومسلم. ومن خلال قوله تعالى في الحديث القدسي: «وإنِّي خلقت عبادي حنفاء كلهم، وإنهم أتتهم الشياطينُ فاجتالتْهم عن دينهم، وحرَّمتْ عليهم ما أحللتُ لهم، وأمَرَتهم أن يشركوا بي ما لم أُنزِل به سلطاناً» رواه مسلم.
لقد كان النّهج و السيرة النبويّة لرسولنا و قدوتنا الحبيب محمد عليه أفضل الصلاة و السلام بأن أمرنا بالاعتدال بكل شيئ و كنا أمّةً وسطًا فلا افراط و لا تفريط .. بكلِّ مناحي حياتنا..
و علمنّا نبيّنا بمواطن و مواقف عديدة أهمية السيطرة و التحكّم بالمشاعر المختلفة و منها الغضب فقال فيه الكثير من الأحاديث منها( ليس الشّديد بالصرعة ، إنّما الشّديد الذي يملكُ نفْسهُ عند الغضب)، فلا يصل لمرحلة الاّ عودة.. بصراخه و تكسيره و انهياره و ربما إيذائه لغيره و نفسه.. كما كان عليه أفضل الصلاة و السلام يغار و يغضب لله لا لنفسه عندما يرى حرمات الله تُنتهك،لكنّه يفعل مل تتحقّق به المصلحة الكاملة أو الراجحة فيُعلّم الجاهل و يزْجُر المتساهل و يعاقب من يستحق العقوبة الشرعية من حدٍّ أو تعزير.
عندما وضعوا حلول للتعامل مع مشاعر الغضب كانت السيرة المحمدية سبّاقة.. هذا النبي الإنسان القدوة يعلم تمامًا أن الغضب شعور إنسانيٌّ من الطبيعي أن يحصل و لكن من غير الطبيعي أن نتركه يسيطر على حياتنا فيصبح سلوكًا معتادًا يتّخذه الإنسان ليعبّر عنه بطريقة عنيفة تجاه الآخرين فلا يملك نفسه ، فقال موصيًّا السائل (لا تغضب )و كرّرها عليه، فعلّمنا الحبيب صور كثيرة للتّعامل مع الغضب عند حدوثه ، بداية و بالأهم الإستعاذة من الشّيطان، و تغيير وضعيّة الجسد ، الوضوء ، الصلاة،. ..نهاية بمغادرة المكان إن تفاقم الوضع .. اذن هي خطوات فكرية و جسدية ..خطوات كما يقولون الآن، عد للعشرة، تنّفس، مارس الرياضة ، حوّل تفكيرك لشيئ آخر ،تسامَح ، تأمَّل ، غيّر تركيزك ، تعامل برفق و رحمة.. و تعلّم من أخطائك دروساً و افهم نفسك و ما يغضبك و لماذا و من يغضبك ، و اعتبر مما أصابك لا حزنًا و قهرًا و ألمًا، إنّما فهمًا و تفكّرًا ووعيًا.. و بالأساس لا تصل لمرحلة الانجراف ، و حوّل الاستفزاز بالتأمل و الأنشطة و تدرّب على ضبط نفسك و مشاعرك ، ارتق الى المستوى الفكري و استمد طاقاتك من الله ..
الله الذي وضع لنا أسسًا لنتّبعها في كل المعاملات فحتى عندما نغضب لما يُغْضب الله ،من المس بذاته سبحانه او بالدّين الذي ارتضاه و العقيدة التي وضعها أو لما حرّم .. فلا نبغي و لا نعتدي و لا نجورُ و لا نفجُرْ ، و لا نهْدمُ و لا نقتلُ النّفس التي حرّم الله إلّا بالحق .. فينبعث حينها فقط حيث تجب الحميّة الحقّة لا حميّة الجاهليّة، و ينطفئ حيث يحسُن الحلم، و إن انبعث كان على حد الإعتدال ووقع التّصرف المبني على وفق الشرع في سائر الاحوال فيتحقق به جلب المصالح و تحميلها و درء المفاسد و تعطيلها أو تقليلها.
طيّب قد يتساءل البعض ماذا عن الغضب لمَنْ هُضمتْ حقوقه .. سكت طويلاً و أرهق نفسه تضحية و تعبًا فلم يقّدر .. لا بل قوبل بالإنكار و الإنتقاص و الإستهزاء و الإستعلاء و التجبّر عليه.. ترى ماذا يفعل ؟!!
الحل الأجدر و الأمثل و الأصلح : أن نعمل بكتاب الله و سنة نبيه و نهجه و نهج الصّالحين .. بصدق و محبة و يقين و فهم و تدبّر و تعمّق و ثبات و استمرارية ، و من دون انكار و اعراض و من دون تحريف أو تأويل و من دون خداع و كذب و مراوغة، و من دون حذف و اضافة ،حينها ستتعلّم ايجاد الحلول و المخارج للأزمات .. ستكون معتدلا لا مغاليًا و لا مفْرطًا.. و إن أنعم الله عليك خيرًا و محبة و هداية سيهبك حكمة و علمًا و نورًا و بصيرة.. للتّعامل مع أصعب المواقف ..
لكل أمر مفاتيح لا يمكن فك شيفرتها إلاّ بالعمل و التعلّم و التجربة ..و المداومة.. ممّا أدهشني صراحة خلال مرحلة بحثي عن شعور الغضب أنّه قد يكون متناقض و محيّر، لذا كان من الضّروري حقيقة أن نتعلّم و نتعرّف و نطّلع أكثر عنه و عن أنواعه تحديدًا و أسبابه التي تختلف من شخص لآخر و من شخصيّة لأخرى.. لنتمكّن من فهم ما يحدث فيسهُل التّعامل و يَحسُنْ التّصرّف.
بالطّبع معظمنا اختبره و عانى منه بطريقة أو بأخرى .. و حاول فهمه و ايجاد حلول له ،و ما زلنا نتعثّر و نخطأ… و نتعلّم.. و هذا هو الأهم..
كما وجدت أثناء البحث تساؤلًا عن غضب الله ..جل في علاه الذّي ليس كمثله شيئ.. كان التساؤل : هل يغضب الله ؟؟و عن ماهية غضبه و لماذا و كيف يغضب سبحانه. هنا تناولنا الحديث حول الغضب البشري المذموم تحديدًا و ليس المحمود الذي تمّت الإشارة إليه سابقًا و الذي يكون لله و للدّين و لما حرّم الله و الذي بحث و فصّل و شرح فيه علماء الدّين بإسهاب ..
نذكر بعض أنواع الغضب البشري المذموم على سبيل المثال لا الحصر و لا التّفصيل انمّا للفت النّظر حولها: الغضب الممنهج الموجه المقصود ، الغضب المبرّر، الغضب السّلبي العدواني، غضب الانزعاج ، نوبات الغضب المزاجيّة، الغضب النّرجسي، غضب المقهور المعذّب، الغضب المزمن،الغضب اللّفظي، غضب الأطفال و المراهقين بفعل العولمة و الألعاب الإلكترونيّة و أفلام و برامج العنف ، الغضب الحديث على وسائل التواصل .. و.. تطول القائمة….
و الأمر الآخر الذي يجب علينا أن نعيه هو: فهم أنَّ الفكر قد يتم التّلاعب به من قبل أشخاص نجحوا في تحويل طاقتنا ووعينا الى ذبذبات ليست إيجابية فتنطبع في أذهاننا و تؤثر على سلوكنا و توازننا النفسي ..
فينقلون لنا مشاعرهم السلبيّة من ( غيرة و حقد ، و خيبة و خيانة و كراهية و عدم ثقة، و تعلّق بتفاهات .. و خوف من القادم ، و منافسة شرسة للبقاء ،فنصبح نسخة عنهم بعيدة عن هويّتنا و حقيقتنا و أحلامنا ..فنعيش بعالم من نسج أيديهم و خبائث أنفسهم.. فيظلّون بمكرهم يثيرون و يفتنون و يتفنّنون بإثارة غضبنا و استفزازنا و قلقنا …
لقد أصبحنا نرى حاليًّا العديد من النّظريّات و التّساؤلات المطروحة و المحيّرة!!! هل فعلًا أصبح الغضب سمةً و ظاهرةً بين الكثير من الشّعوب خصوصًا بهذه الفترات ؟؟!.. ترى هل يتم تعبئة الشّعوب و زيادة حنقها و غضبها بالتجويع و التّخويف و نشر الكراهية و التحريض على العنف و الاضطّهاد و الإجرام و الإفقار؟؟!،.. كلّها أمور تجلب العنف جلبًا و تستحضر وحوشًا مخيفةً مرعبةً بانتظار الانقضاض بأي وقت و بشكلٍ غير متوقّع..
لقد كان أقصى ما يتبادر لأذهاننا عندما كنّا نتحدّث عن الغضب ، شخص أغضبنا أو ضايقنا أو أنّنا غضبنا على أحد ما أو من موقف ما.. أو خبر أو حدث.. لنجد أنَّ أخطار عديدة لم نعهدها استجدّت و أدخلتنا في دوّامة.. أُرغمنا على الدّخول بها.. و من ثمَّ الخروج منها بعناية الله و لطفه و معونته و حفظه .. بالتّسليم لأمره و الإتّكال عليه.
لم تعد الحروب السابقة مخيفة كما الخوف الذي عايشناه من أمور جديدة لم نعْهدها ( فيروسات) ، فقد مرَّ العالم أجمع بفترة عصيبة و صعبة و عاش بحالة من الإحباط و الرّعب و الخوف ، فانقسم النّاس الى أنواع كلٌّ بحسب ما اختبر و تفاعل و تعامل مع الموضوع .. لم يكن هناك رابح أو خاسر .. الكل عانى بطريقة أو بأخرى، حسب عمره و صحتّه ووضعه و وظيفته ، فكره و شخصيّته.. و المواقف التي مر و يمر بها يومًا بعد يوم .
البعض كانوا يثنون النّاس عن الخوف و الحرص الشّديد و ردود الأفعال التّي قد تمرضهم فعلًا أو حتى تنهي حياتهم… و مع ذلك كانوا مبالغين بخوفهم ، و بالمقابل عاش البعض متقبّلين للفكرة متأقلمين معها أو محاولين التأقلم، و البعض كانوا رافضين و مشكّكين حتى هذه اللّحظة.. بالمحصّلة حالة الغضب التي حصلت ظهرت أوضح و أكثر و أخطر و أعمق بعد تعافي العالم، و خروجه ليواجه حياة مختلفة مفاجئة صادمة .. بظروف قاسية .. كم سمعنا عن وظائف فقدت و محلّات أُغلقتْ و مصانع خسرتْ و شركات أفلست، و أسعار ارتفعت، و جرائم تنوّعت ،لقد خُلقت فعلًا حالة من الغضب لدى الكثير من الشّعوب ..
اعْلَمْ أنّه و بالرّغم من كل ذلك، إن استعنت بالله أن يهبك الفهم لتحويل كل هذه السلبية الى تحدي و اصرار و نجاح و تطوير، فيكون حافزًا للإستكشاف و الإطلاع ، و معرفة أنه سيكون هناك دائما من يعارض فكرك و قيمك و آراءك و شغفك … لكنّك بالوعي ستصبح أكثر معرفة للمواقف التي تغضبك و تزعجك و تحزنك و تحبطك.. لن تيأس حينها و لن
تسمح لعقلك أن يَضْمُر بعدم المعرفة .. و قلبك أن يُظْلِم بعدم رؤية نور الايمان ..
و تذّكر دومًا أنك إنسان…. بلا حول و لا قوّة إلّا بالله.

سلمت أناملك عزيزتي الغالية سوسن .. مقال مفيد و شامل لكل حالات العضب الانسانية … اللهم زين قلوبنا بالإيمان و مسارنا بالأخلاق الحميدة ❤️❤️❤️