

كنت ذات يوم عائداً من عمان وأنا في غاية الإرهاق بعد أن أمضيت ساعتين تحت الكاميرات؛ سجلت خلالهما برنامجين لإحدى الفضائيات العربية… حاولت جاهداً بعد أن أكملت عملي أن لا يشغلني شاغل عن الوصول للبيت في أسرع وقت ممكن لعلني أحصل على قسط من الراحة فأنا بأمس الحاجة له لكن للأسف هذه الأمنية لم تتحقق؛ حيث وصلتني رسالة مستعجلة من وزارة الداخلية مضمونها قائمة من الحاجات التكميلية المطلوبة للبيت تحت البند السابع [لاتأجيل ولا تأخير]، ولكوني رجل مطيع صدعت للأوامر فوراً وانعطفت بكل شجاعة إلى أقرب سوبرماركت على شارع الستين/ ناعور/ ولحسن الحظ فإن فيه حاجات نوعية ويصنف على أنه ذكي.
دخلت المحل وأخذت على الفور (عرباية) من الحجم الكبير وبدأت أنتقي الأغراض المطلوبة حسب القائمة المرسلة حرفيا وبالترتيب غرضاً غرضاً، وأفحص ثم أتفحص كل غرض وأتأكد من مدى صلاحيته ومدى مطابقته للشروط الصحية.
أكملت نصف الأغراض وإذا بشاب وشابة قد جذبا انتباهي وهما يدلفان من باب المحل بسرعة يتوشوشان ويبتسمان ويرتديان ملابس متشابهة تقريباً وأحذية خفيفة ويبدو أنهما حديثي الزواج، كلاهما في عمر الورد، أخذ كل منهما عرباية صغيرة وفي أقل من ربع ساعة أكملا مشترياتهما الخفيفة من (الأندومي والسنيورة والجبنة الفرنسية والهوت دوق وبعض العصائر والسناكات والأكلات السريعة… الخ) دون أدنى تردد أو تدقيق، أما حضرتي فإنني ومنذ نصف ساعة وأنا أراوح مكاني ولم أكمل نصف أغراضي بينما هما كانا كسحابتي صيف أختار كل منهما حاجاته بسرعة ومعرفة دقيقة بأماكن جميع الأصناف على الأرفف، ثم توجها نحو المحاسبة وكنت أرقبهما بعين الباحث تارة وبعين المتطفل طوراً…دفع كل منهما حسابه عن نفسه ثم توجها نحو سيارتهما الكهربائية صغيرة الحجم سهلة الاصطفاف وغادرا المكان مسرعين.
على ضوء ذلك بدأت بمراجعة حساباتي ودارت بيني وبين نفسي عشرات الأسئلة عن ثقافة الاستهلاك بين جيلين وعن البون الشاسع بين ثقافتنا الشرائية وثقافتهم وتفكرت في الوقت والجهد الذي أبذله ويبذله أبناء جيلي من أجل اختيار الأكل الصحي مصراً على فحص كل غرض بنفسي، فعلى سبيل المثال لا الحصر كنت عندما أريد أن اشتري اللحم فإنني أتصل قبل يوم بالأخ بشير وأسأله عن عمر الذبيحة – إن كانت شاة – وأسأله عن وزنها وسيرتها الذاتية وعن جد جدها وإن كان عجلاً – أكرمكم الله – فإنني اسأل بدقة متناهية عن أمه هل هي بقرة صفراء فاقع لونها أم أنها بقرة عادية؟ وأسأل عن عمره ووزنه وعن سلالته وأعمامه وأخواله وكذلك أفعل الشيء نفسه عندما أريد شراء الألبان حيث أتأكد من مصدرها ونظافة مصنعيها وجودة الحليب والقصة تتكرر عند شراء الطحين ومشتقاته حيث أذهب إلى البابور في مأدبا وأتأكد من نوعية وصلاحية القمح بشكل خاص والحبوب بشكل عام كما وأشترط أن يطحن القمح والفريكة والجريشة والبرغل أمامي وأيضا أتفقد الخضرة والفواكه حبة حبة وهكذا دواليك، وهما أي الشابين على عكسي تماما، آخر همهما هذه الأمور المهم السرعة والسهولة بغض النظر عن النتائج…
أمام هذا المشهد تواردت خواطر كثيرة على ذهني وطرحت على نفسي مجموعة من الأسئلة السابرة خلاصتها :
يا ترى من منا على حق؟
هل يستحق الأكل الصحي منا بذل كل هذا الوقت والجهد وكل هذا التمحيص والتدقيق؟
أم أن الشابين على حق؟ كونهما يمثلان عصر السرعة والوجبات السريعة؟
أم أن هذا الجيل سيعاني من أمراض صامتة وغريبة ومفاجئة ومستحدثة بسبب الوجبات السريعة وغير الصحية؟
حقيقة هناك أسئلة عصف ذهني تستحق التفكير العميق والاستنتاج والاستقراء والنصيحة الصادقة وتحليل المشهد بكل موضوعية وصدق وتجرد.
ومع هذا يبقى السؤال مفتوح ومطروح عليكم إخواني وأخواتي/الأعزاء/ والعزيزات/ كونكم من أهل التجارب وأهل العلم والخبرة…
كما ويطيب لي أن أشكركم أصدقائي الكرام على متابعتكم المقدرة لمنشوراتي…