
بقلم: د. أريج النابلسي
ليس العدوان الأول من نوعه على غزة العزة فما أن تحاول التعافي إلا وتأتيها الضربة تلو الضربة، وما بين تصعيد وتصعيد هناك حرب وراء حرب وهناك خذلان متراكم، لتغدوا حياة أطفال القطاع مليئة بالدخان والانفجارات والعويل والتدمير ليعتادوا الانهيار والفقد والألم… وأيما ألم؟!
نعم… كلنا مُتفقون أنّ العدو واحد ولكننا متفاجئون بل مفجوعون بذوي القربى من العرب وسنقولها وبكل صراحة، هناك مواقف مُشَرفة من قِبَلِ الشعوب…نعم؛ ولكن هناك مواقف تخاذلت في أخذ قراراتها بعض من هم في موقع السلطة والحكم أو فوق الكراسي، أَمَا تحركت قلوبهم؟ أو لم تفقه عقولهم ولم تستوعب ما حصل وما يحصل؟ أما سمعوا أطفالنا تُناشد وتصرخ؟ ألم يروا الرعب والفزع في عيون الأطفال الغَزَّيين؟ ألم يتعلموا من كلمات خرجت من أفواه صغيرة فاقت كل الخطب والكلمات المنمقة؟ أم أن المصلحة أهم؟!
ألم يُفكروا بأطفال يعيشون ما تبقى من عُمُرِهم قبل أن يولدوا؟ بأطفال يُريدون العيش “لأنها ليست حياة” كما قال أحدهم.
بالله أخبروني أي مصلحةٍ هذه التي تجعل من عروبتنا دويلاتٍ صغيرة من غير قيمة؟! أي نخوةٍ تلك التي نَتَّسِم بها وسلطات وأيادٍ لا رحمة لديها هي من تتحكم بمصير شعب وأمة؟!
تغلغلت الحرب في نفوس أطفال القطاع فلا أمان في أي مكان، نسمع صراخهم، دعاءهم، مناجاتهم، بكاءهم، نرى أشلاءهم وقطعاً متناثرة من أجسادهم هنا وهناك ودمائهم التي غطت الأرض والجدران ولوَنَت الركام، أي عار سيلحق بنا وقد وُصِم وطُبِع علينا دونما زوال.
ما يزيد عن 2000 طفل استشهد، وأعداد من الجرحى والمصابين والمفقودين لا تُعَد ولا تحصى، أرقام مرعبة يتناولها الجميع لتعداد الضحايا الأطفال في حرب القطاع الذين لا نستطيع أن نغض السمع عن أصواتهم وجملهم:
“هذه ليست حياة”، “أوقفوا الحرب”، ” يارب الحرب تنتهي”، ” بدي إمي “، “والله بعرفها هاي إمي “، “عمو… بتعرف وين أخوي” …. والأدهى والأمر تلك الصغيرة التي تقول بعد أن أخرجوها حية ” ما خذيني على المقبرة؟ ” أي حُلم هذا الذي يُزرعُ فيهم! فما عادوا يعرفون هل هم أحياء أم أموات !
طبيعيٌ هذا؟! … فحريٌ بأبناء هذا القطاع الذي يخط أسماء الأطفال على سواعدهم وأقدامهم أن يُفكر هكذا فهم من الولادة إلى الموت دونما الوقوف بأي محطةٍ من محطات رحلة العُمر المتعارف عليها عند البشر في الحياة الإنسانية … بَيْدَ أنهم ليسوا من البشر بل هم أعلى مكانة ودرجة صدقوني، ومهما قالوا أو يقولون أو سيُقال عنهم … سيبقى جيل طوفان الأقصى نيشان على صدر العروبة كلها وإن حاولوا تشويه أي صورة أو حقيقة.
صدقوني ليست أبداً صدفة … وظلم ذوي القربى أشد مضاضة.
وفي نهاية القول نعرف أن الجميع يعرف ما قلنا، ولكن هل سألنا أنفسنا من هم أطفال غزة؟